للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لهم، والهجرُ لا يجوزُ فوقَ ثلاثٍ؛ فقدَّرَه اللهُ بثلاثةِ أيامٍ.

وقد جاءَ في "الصحيحينِ"؛ مِن حديثِ أنسٍ أن النبيَّ قال: (لَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَن يَهْجُرَ أخَاهُ فَوْقَ ثَلَاثٍ) (١).

الهجرُ وأحكامُهُ:

والهجرُ فوقَ ثلاثٍ محرَّمٌ لغيرِ سببٍ شرعيٍّ، ولا تخلُو أسبابُ الهجرِ بينَ الناسِ مِن سببينِ:

السببُ الأولُ: سببٌ مِن حظِّ أنفسِهم ودُنياهم؛ فهذا لا يجوزُ أنْ يُجاوِزَ ثلاثةَ أيامٍ، للحديثِ السابقِ.

ما لم يرتبِطْ أمرُ الدُّنيا بأمرِ الدِّينِ؛ فيَخشَى الإنسانُ مِن الوصلِ فسادَ الدِّينِ، وقطيعةَ الرحمِ، وزيادة الشرِّ والعدوانِ والخصومةِ؛ فذاك يُقدَّرُ بالعدلِ، لا بهوى النفسِ.

السببُ الثاني: سببٌ مِن حقِّ اللهِ؛ كمخالفةِ أمرِ اللهِ بكبيرةٍ؛ مِن شربِ خمرٍ، وسرقةٍ، وكذبٍ, وغِيبةٍ، ونميمةٍ؛ فيُهجَرُ تأديبًا له؛ وهذا على حالينِ:

الأُولى: إذا كان الهجرُ يُؤثِّرُ في المهجورِ وَيَرْدَعُه على الشرِّ ويُبعِدُه عنه، وَيَجلِبُه إلى الخيرِ ويُقرِّبُه منه؛ فهذا متأكِّدٌ؛ قد يُستحَبُّ وقد يجبُ؛ بحسَبِ اليقينِ مِن أثرِهِ في العاصي؛ كما في هجرِ النبيِّ للثَّلاثةِ الذين خُلِّفُوا، وهجرِ عبدِ اللهِ بنِ مُغَفِّلٍ لقريبه؛ ففي "الصحيحِ"، عن سعيدِ بن جُبَيْرٍ؛ أنَّ قريبًا لعبدِ اللهِ بنِ مغفَّلٍ خَذَفَ، قال: فنَهَاهُ، وقال: إنَّ رسولَ اللهِ نَهَى عن الخَذْفِ، وقال: (إِنَّهَا لَا تَصِيدُ صَيْدًا، وَلَا تَنْكَأُ عَدُوًّا، وَلَكِنَّهَا تَكْسِرُ السِّنَّ، وَتَفْقَأُ الْعَيْنَ)، قال: فَعَادَ، فقال: أُحدِّثُكَ أنَّ


(١) أخرجه البخاري (٦٠٧٦) (٨/ ٢١)، ومسلم (٢٥٥٨) (٤/ ١٩٨٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>