للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أنه يُجزِئُ عن زكاةِ أهلِ المال، ولا يَجِبُ عليهم أن يُخرِجوا الزَّكاةَ مرَّةً أُخرى؛ لأنَّ الخطأَ يَلحَقُ صارفَ الزكاةِ لا مؤدِّيَها، وقد روى عبدُ العزيزِ بن صُهَيْبٍ، عن أَنَسٍ والحسَنِ؛ قالا: "ما أعطيتَ في الجُسُورِ والطُّرُق، فهي صدَقةٌ ماضيةٌ"؛ رواهُ أبو عُبَيْدٍ (١).

روى هذا الحديثَ عن عبد العزيزِ بنِ صُهَيْبٍ: إسماعيلُ، وقال: يَعني: أنَّها تُجزِئُ مِن الزَّكاةِ؛ ولهذا صحَّ عن الحسَنِ قولُهُ: "ضَعْهَا مَوَاضِعَهَا، وَأَخْفِهَا" (٢).

يَعني: أنَّهم لم يضَعُوها حيثُ أمَرَ اللهُ.

الحِكْمةُ مِن تأخيرِ مَصْرِفِ الجِهَادِ في الذِّكْرِ:

وقد تأخَّرَ ذِكرُ مَصْرِفِ الجِهادِ في الآيةِ معَ عِظَمِ مَنْزِلَتِهِ وفضلِهِ على العامَّةِ والخاصَّةِ؛ وذلك لِجُمْلةٍ مِن الحِكَمِ والأسبابِ - واللهُ أعلَمُ -:

منها: أنَّ المَصارِفَ السابقةَ للجِهادِ: بها يتقوَّى داخِلهُ الإسلام، وبالجهادِ يتقوَّى خارِجُهُ ويتحصَّنُ مِن داخِلِه، وفي الآيةِ: إشارةٌ إلى أنَّ تقويةَ الأمَّةِ يبدَأُ مِن داخِلِها، ثم يكونُ مِن خارجِها؛ فإنَّ الدولةَ الضعيفةَ، التي تُقاتِلُ عن ضَعْفٍ، وتتمدَّدُ على وَهنٍ - فتلك تتَّسِعُ رُقْعَتُها مِن خارجِها، وتتَهَاوَى مِن داخِلِها، والواجبُ أن تُغلَّبَ قوَّتُها مِن داخِلِها، ثم تتدرَّجَ بتوسُّعِها مِن خارجِها؛ وبهذا سار النبيُّ وخلفاؤُه؛ وذلك حينَما سَدُّوا حاجةَ الفقيرِ والمِسْكِين، وأقامُوا على المالِ عمَّالًا يَحفَظونَهُ ويُديرونَه، وأَمِنوا أهلَ الشرِّ مِن داخلِ الإسلامِ وأطرافِهِ بتأليفِ قلوبِهم؛ حتَّى لا يتَربَّصوا بالمُسلِمينَ.


(١) "الأموال" لأبي عبيد (ص ٦٨٥).
(٢) أخرجه أبو عبيد في "الأموال" (١٨١٤)، وابن أبي شيبة في "المصنف" (١٠٢٠٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>