ومنها: أنَّ المَصارِفَ السابقةَ أوسَعُ حاجةً مِن مَصرِفِ الجهادِ؛ فالفُقراءُ والمساكينُ والغارِمونَ والرِّقابُ أكثَرُ في الأمَّةِ مِن الغُزَاة، فقَدَّمَ اللهُ الحاجةَ الأوسَعَ على الحاجةِ الأضيَق، وقد قال طاوُسٌ في سَهْمِ الفقراءِ والمساكينِ والعامِلينَ عليها:"هو الرَّأْسُ الأكبَرُ"(١).
ومنها: أنَّ حِمَايةَ الثُّغُور، وكَفَالةَ الغُزَاةِ: شأنٌ خاصٌّ بالإمامِ غالبًا، فَيجِبُ عيه رعايتُها والاستنفاقُ لها، وأمَّا بقيَّةُ المصارِف، فهي شأنٌ عامٌّ، فالغنيُّ يجِدُ الفقيرَ والمِسْكِينَ والغارِمَ والرَّقَبةَ في قَرابتِه ورَحِمِه وجيرانِه، ولا يَجِدُ أكثرُ الأغنياءِ غازيًا يَكفُلُونَهُ.
وقولُه تعالى: ﴿وَابْنَ السَّبِيلِ﴾ المرادُ بابنِ السَّبيلِ: هو العابِرُ والمُسافِرُ الذي يَنقطِعُ زادُهُ، ولو كان غنيًّا في بلَدِهِ؛ فإنَّه يُعطَى مِن الزكاةِ ما يُبلِّغُهُ إلى أهلِه؛ وهذا يَختلِفُ بحسَبِ حالِهِ ومكانِ انقطاعِه، ويدخُلُ في هذا الأسيرُ الذي حُبِسَ عن أهلِهِ في بَلَدِ كُفرٍ؛ فيُعطَى ما يَفُكُّ قَيْدَهُ ليخرُجَ إلى أهلِه.