للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حضانةُ المولودِ وكفالتُهُ:

وفي الآيةِ: دليلٌ على مشروعيَّةِ الحضانةِ في قولِه: {وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا}، وقد ذكَرَ اللهُ الحضانةَ في كتابِهِ في مواضعَ عديدةٍ تصريحًا وإشارةً؛ كما في قولِه تعالى: {وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ} [النساء: ٢٣]؛ لأنَّ الحُجُورَ جمعُ حَجْرٍ، ولا يكونُ في الحَجْرِ إلا طفلٌ رضيعٌ، وهذه بدايةُ الحضانةِ، وفي قولِهِ: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ} [البقرة: ٢٣٣]؛ لتَضَمُّنِ الرَّضَاعةِ للحضانةِ، وفي قولِهِ تعالى: {وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة: ٢٣٣].

والحضانةُ هي حفظُ إنسانٍ لا يَسْتَقِلُّ بنفسِهِ ورعايتُهُ؛ كالصبيِّ والمجنونِ، وقد غلَبَ استعمالُه للصغيرِ، وعليه استُعمِلَ لفظُ الحضانةِ؛ لأنَّه يكونُ في الحِضْنِ والحَجْرِ، والكفالةُ أوسعُ مِن معنى الحضانةِ في اللُّغةِ والشرعِ.

وذكَرَ اللهُ الحضانةَ والكفالةَ في كتابِه؛ لحقِّ الصبيِّ في الرعايةِ والحفظِ، وحقِّ والدَيْهِ في اننظامِ حياةِ ابنِهما بلا خوفٍ، وقطعًا للنِّزاعِ الذي يقعُ بينَ الزوجَيْنِ أو أهلِهما عندَ الطلاقِ أو الوفاةِ.

وقولُه: {وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا} أيْ: ضَمَّها إليه بعدَ موتِ والدَيْها، فاسْتَهَمُوا على كفالتِها؛ كما في قولِهِ تعالى: {وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلَامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ} [آل عمران: ٤٤].

قال مجاهدٌ: "سَهَمَهُمْ بقَلَمِه" (١).

وقال الحسنُ: "تقارَعَها القومُ، فقَرَعَ زكريَّا" (٢).

وفي قراءةِ أهلِ الحجازِ والبصرةِ: "وكَفَلَهَا" بالتخفيفِ؛ أِيْ ضَمَّها هو إليه.


(١) "تفسير الطبري" (٥/ ٣٥٠).
(٢) "تفسير الطبري" (٥/ ٣٥٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>