للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وجاء عن غيرِ واحدٍ من السَّلَفِ تكبيرُهم من المسجدِ مِن ليلةِ العيدِ بعدَ المَغْرِب؛ جاء عن سعيدِ بنِ المسيَّبِ، وعروةَ بنِ الزُّبَيْرِ، وأبي سَلَمةَ ينِ عبدِ الرحمَنِ، وأبي بكرِ بنِ عبدِ الرحمنِ: "كانوا يكبِّرون ليلةَ الفِطْرِ في المسجدِ، يَجهَرونَ بالتكبيرِ".

ولا يختلِفُ الأئمَّةُ الأربعةُ في استحبابِ التكبيرِ، وما رُوِيَ عن أبي حنيفةَ مِن عدمِ مشروعيَّتِهِ، فخطأٌ، فمرادُهُ عدمُ الجهرِ بالتكبيرِ، لا أصلُ التكبيرِ.

وعن أبي حنيفةَ روايةٌ بالجهرِ بالتكبيرِ؛ اختارَها الطحَاويُّ وغيرُهُ.

التكبيرُ في عيد الفطرِ أشدُّ من الأضحى:

وكانوا يُكبِّرونَ في الفِطْرِ أشدَّ مِن تكبيرِهم في الأضحى، وبهذه الآية استدل أحمد على ذلك، فإنه سئل عن التكبير في الفطر والأضحى، فقال: هو في الفطر أوجب لقول الله تعالى: ﴿وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ﴾، ونقل ابنه عبد الله عنه قوله: "يوم الفطر أشد" (١)؛ لأنَّ الفِطْرَ يعقُبُ عملًا يَشهَدُهُ كلُّ الناسِ، وهو صومُ رمضانَ، بخلافِ الأضحى؛ فهو يصاحِبُ عَمَلًا يشهدُهُ الحُجَّاجُ، مع فضلِ تلك الأيامِ العشرِ للحاجِّ وغيرِه، إلَّا أنَّ شهودَ الناسِ وإدراكَهُمْ للعملِ الذي يكلَّفُ به كلُّ قادرٍ وهو الصيامُ - أظهَرُ من أيامِ العشرِ التي لا يجبُ الحَجُّ إلَّا على مَن لم يؤدِّه، وعلى مَن دخَلَ فيه - والعملُ في العشرِ مستَحَبٌّ لا واجب كصومِ رمضانَ.

وقد رُوِيَ عن أبي عبدِ الرحمنِ السُّلَميِّ؛ أنه قال: "كانوا في التكبيرِ في الفِطْرِ أشدَّ منهم في الأضحى" (٢).

وقولُه: ﴿عَلَى مَا هَدَاكُمْ﴾ يُحمَلُ على المعنيَيْنِ للهدايةِ؛ هدايةِ التوفيقِ، وهدايةِ الدلالةِ والإرشادِ؛ فاللهُ قال في أوَّلِ الآيةِ: ﴿هُدًى


(١) مسائل ابن هاني (١/ ٩٤)، ومسائل عبد الله (١٢٨).
(٢) أخرجه الدارقطني في "سننه" (١٧١٣) (٢/ ٣٨٠)، والحاكم في "المستدرك" (١١٠٧)، والبيهقي في "السنن الكبرى" (٣/ ٢٧٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>