للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأحوالِهم وجَرْحِهم وتعديلِهم -: مِن فضل اللهِ ورحمتِه؛ فلولاهُ لم يكنْ للصادقِ فضلٌ على الكاذبِ، ولكان أمرُ الأُمَّةِ في دِينِها ودُنياها في فتنةٍ وشرٍّ.

والعالِمُ يَرُدُّ مُتشابِهَ الأخبارِ إلى مُحْكَمِها، وهي في أخبارِ الوحي أشَدُّ احتياطًا واحترازًا، فلا يُعارِضُ بعضَها ببعضٍ، ولا يَضرِبُ بعضَها ببعضٍ، فيَجمَعُ بينَها، وإنْ تحيَّرَ، سلَّمَ العلمَ إلى عالِمِه، ولم يَجسُرْ بهواهُ؛ كما قال تعالى: {وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا} [آل عمران: ٧].

وفي "المُسنَدِ"؛ مِن حديثِ عمرِو بنِ شُعَيْبٍ، عن أبيه، عن جَدِّه؛ قال: خَرَجَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ذَاتَ يَوْمٍ وَالنَّاسُ يَتَكَلَّمُونَ فِي الْقَدَر، قَالَ: وَكَأَنَّمَا تَفَقَّأَ فِي وَجْهِهِ حَبُّ الرُّمَّانِ مِنَ الْغَضَب، قَالَ: فَقَالَ لَهُمْ: (مَا لَكُمْ تَضْرِبُونَ كِتَابَ اللهِ بَعْضَهُ بِبَعْضٍ؟ ! بِهَذَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ) (١).

وفي لفظٍ آخَرَ في "المسنَدِ"؛ قال: (مَهْلًا يَا قَوْمُ! بِهَذَا أُهْلِكَتِ الْأُمَمُ مِنْ قَبْلِكُمْ؛ بِاخْتِلَافِهِمْ عَلَى أَنْبِيَائِهِمْ، وَضَرْبِهِمُ الْكُتُبَ بَعْضَهَا بِبَعْضٍ، إِنَّ الْقُرْآنَ لَمْ يَنْزِلْ يُكَذِّبُ بَعْضُهُ بَعْضًا، بَلْ يُصَدِّقُ بَعْضُهُ بَعْضًا، فَمَا عَرَفْتُمْ مِنْهُ، فَاعْمَلُوا بِه، وَمَا جَهِلْتُمْ مِنْهُ، فَرُدُّوهُ إِلَى عَالِمِهِ) (٢).

التحدثُ بكلِّ مسموعٍ:

وفي إطلاقِ اللِّسانِ بالأخبارِ آثامٌ لا تُحصى؛ لفتنةِ الناسِ بعضِهِمْ ببعضٍ، وبثِّ الخوفِ أو الجُبْنِ أو التسبُّبِ في رُكُونِهِمْ إلى الدُّنيا والافتتانِ بها؛ ففي "السُّننِ"، عن أبي هريرةَ، عن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -؛ قال: (كَفَى بِالمَرْءِ إِثْمًا أَنْ يُحَدِّثَ بِكُلِّ مَا سَمِعَ) (٣)، وأخرَجَهُ مسلمٌ في مقدِّمةِ "صحيحِه" (٤).


(١) أخرجه أحمد (٦٦٦٨) (٢/ ١٧٨).
(٢) أخرجه أحمد (٦٧٠٢) (٢/ ١٨١).
(٣) أخرجه أبو داود (٤٩٩٢) (٤/ ٢٩٨).
(٤) "صحيح مسلم" - المقدمة (١/ ١٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>