يُعطُونَهُ يُحبُّونَه، وقد بيَّنَ اللهُ ذلك في قولِهِ تعالى: ﴿قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ (٨٦)﴾ [ص: ٨٦].
ومع عِصْمةِ الأنبياءِ مِن التكلُّفِ والزَّلَل، إلَّا أنَّ اللهَ منَعَهمْ مِن أخذِ المالِ والأجرِ على الرَّسالةِ؛ حتى لا يظُنَّ الناسُ بهم سُوءًا، ويَتوهَّموا قولَهُمْ تكلُّفًا وهو حقٌّ.
الثاني: أنَّ مَن سأَلَ الناسَ شيئًا على رِسالَتِه، استَثْقَلُوهُ، وضَعُفَ قَبُولُهم له، ونفَرُوا منه؛ لأنَّه يُحمَّلُهم ما لا يُحبُّونَ مِن العطاءِ ولو ظَنُّوهُ صادقًا؛ كما قال تعالى في سُورَتَيِ الطُّورِ والقَلَمِ: ﴿أَمْ تَسْأَلُهُمْ أَجْرًا فَهُمْ مِنْ مَغْرَمٍ مُثْقَلُونَ (٤٠)﴾ [الطور: ٤٠، والقلم: ٤٦] يعني: أنَّ سبَبَ نُفورِهم مِنَ الحقِّ الذي معَكَ ليس لأجلِ أنَّك تطلُبُ منهم شيئًا فيَغرَمُوا؛ وإنَّما هو عِنَادٌ واستِكْبارٌ.
أخذُ المالِ على تبليغِ الدِّينِ:
وأخذُ المالِ على تعليمِ الناسِ الخيرَ، لم يكنْ محرَّمًا لذاتِ المالِ ولا لذاتِ العملِ؛ ولهذا قد يجوزُ في موضعٍ، ويُكرَهُ في موضعٍ ثانٍ، ويحرُمُ في موضعِ ثالثٍ، وذلك بحسَبِ أثرِ المالِ على الداعِي والمدعُوَّ، وذلك يَرجِعُ إلى الحالِ والزمانِ ومَقَامِ كلَّ واحدٍ مِن الآخَرِ وقصدِهِ بإعطاءِ المالِ.
وإنَّما منَعَ اللهُ الأنبياءَ أنْ يأخُذُوا؛ لأنَّ أُمَمَهُمْ على خلافِ عقيدتِهم، ولن يُعْطُوهم المالَ حُبًّا لهم، ولكنْ لاعتقادِهم أنْ يكونَ ذلك صَرْفًا لهم أو صرفًا لأتباعِهم عن اتَّباعِ الحقِّ الذي معهم، فإنْ عجَزوا عن المتبرع، استمالُوا التابعَ، فكاد النبيُّ قدوةً لأتباعِه، وقد أَرسَلتْ مَلِكةُ سَبَأِ إلى سُلَيْمانَ هديّةً، وكان مَقصَدُها استمالتَهُ عن الحقِّ، فامتَنَعَ مِن أخذِها، والأصلُ أنَّ الملوكَ ورؤوسَ الأُمَمِ تأخُذُ بعضُها الهدايا مِن