للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بعضٍ؛ قال تعالى حاكيًا قولَها: {وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ (٣٥)} [النمل: ٣٥]، وكان قصدُها استمالتَهُ وصَرْفَهُ عن كُفْرِهم، وطلَبَ السلامةِ لها ولقومِها، وقد قال ابنُ زيدٍ: "إنَّها قالتْ: إنَّ هذا الرجُلَ إنْ كان إنَّما هِمَّتُهُ الدُّنيا فسنُرْضِيه، وإن كان إنَّما يُرِيدُ الدَّينَ فلن يَقبَلَ غيرَهُ" (١).

وقد قال وهبُ بن مُنَبَّهٍ - وكان ممَّن يأخُذُ خبرَ أهلِ الكتابِ والأُمَمِ السابقةِ -: "إنَّها قالتْ: إنَّه قد جاءَني كتابٌ لم يأتِني مِثلُهُ مِن مَلِكٍ مِن المُلُوكِ قبلَه، فإنْ يكُنِ الرجُلُ نبيًّا مُرسَلًا، فلا طاقةَ لا به ولا قُوَّةَ، وإنْ يكنِ الرجُلُ مَلِكًا يُكَاثِرُ، فليس بأعَزَّ منَّا ولا أَعَدَّ. فهيَّأَتْ هَدَايَا ممَّا يُهدَى للمُلوك، ممَّا يُفتَنُونَ به، فقالتْ: إنْ يكنْ ملِكًا فسيَقبَلُ الهديَّةَ ويَرغَبُ في المال، وإن يكنْ نبيًّا، فليس له في الدُّنيا حاجةٌ، وليس إيَّاها يُريدُ؛ وإنَّما يُريدُ أنْ ندخُلَ معه في دِينِهِ ونَتَّبِعَهُ على أمرِه" (٢).

وقد عرَفَ سُلَيْمانُ قَصْدَها مِن إرسالِها الهديَّةَ إليه؛ فامتنَعَ منها؛ قال تعالى: {فَلَمَّا جَاءَ سُلَيْمَانَ قَالَ أَتُمِدُّونَنِ بِمَالٍ فَمَا آتَانِيَ اللَّهُ خَيْرٌ مِمَّا آتَاكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ (٣٦) ارْجِعْ إِلَيْهِمْ فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لَا قِبَلَ لَهُمْ بِهَا وَلَنُخْرِجَنَّهُمْ مِنْهَا أَذِلَّةً وَهُمْ صَاغِرُونَ} [النمل: ٣٦ - ٣٧].

والأزمنةُ تَختلِفُ، والأحوالُ تتبايَنُ، والعطاءُ الذي يأخُذُهُ الداعِي إلى الله، والحاملُ لرسالةِ الأنبياءِ: يُعرَفُ موضعُهُ مِن الشرعِ بمعرفةِ مُعطِيهِ وغايتِهِ منه؛ فإنَّ للمُعطِي رسالةً باطنةً غيرَ ظاهرةٍ تَكسِرُ القلوبَ وتُمِيلُها إلى أهواءِ المُعطِينَ ورغباتِهم، وأمَّا عطاءُ أهلِ الدَّيانةِ والأمانة، فلا يُحذَرُ منه إلَّا تشوُّفُ النَّفْسِ ولو كان المُعطِي نبيًّا، فقد أَعطى النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - عمرَ، فقال له عمرُ: أَعْطِهِ مَن هو أفقرُ إليه مني، فقال له: (خُذْهُ فَتَمَوَّلْهُ أَو

<<  <  ج: ص:  >  >>