للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تَصَدَّق بِه، وَمَا جَاءَكَ مِنْ هَذَا المَالِ وَأنْتَ غَيْرُ مُشْرِفٍ وَلَا سَائِلٍ، فَخُدْهُ، وَمَا لَا، فَلَا تُتْبِعْهُ نَفْسَكَ)؛ رواهُ الشيخانِ؛ عن أبي عمرَ، عن أبيه (١).

وقد كان النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - لا يأخُدُ أجرًا مِن قريشٍ، ولا يَسْأَلُهم إيَّاه، وقد كان يبذُلُ له أبو بكرِ الصِّدِّيق فيأحُدُهُ؛ لأنَّ يدَهُ ليستْ كيَدِ كفارِ قريشٍ، وغايتَهُ ليستْ كغايتِهم؛ فإنَّ يدَهُ مع يدِ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - وغايةُ مع غايتِه، وقد كان يقولُ: (إنَّهُ لَيْسَ مِنَ النَّاسِ أحَدٌ أمَنَّ عَلَيَّ فِي نَفْسِهِ وَمَالِهِ مِنْ أَبِيِ بكْرِ بْنِ أبِي قُحَافَةَ) (٢).

وقد كان النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - بعدَما ظهَرَ أمرُهُ ونصرُهُ ودِينُهُ، وقَوِيَت شوْكَتُه، أخَذَ بقَبُولِ الهدايَا مِن الملوكِ؛ لأنَّه لا مِنَّةَ لهم عليه؛ فيدُهُ فوقَهم عُلْيَا، ففي مكةَ لم يكن يأخُذُ مالًا منهم، ومالُه حِبنَها قليلٌ، ولمَّا كَثُرَ ما في يدِه في المدينة، قَبِلَ الهديَّةَ، وهذا مِقْياسُ أهلِ الذِّين، وأمَّا مقياسُ أهلِ الدُّنيا، فيَرَوْدَ الأخذَ إذا كانتِ اليدُ خاليةً، وتَدَعُ إذا كانتْ غنيَّةً؛ لأنَّ اعتِبارَهم سلامةُ الدُّنيا، واعتبارُ الأنبياءِ سلامةُ الدِّينِ.

* * *

قال تعالى: {حَتَّى إِذَا جَاءَ أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ وَمَنْ آمَنَ وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ (٤٠)} [هود: ٤٠].

أمَرَ اللهُ نبيَّه نُوحًا أنْ يَحفَظَ حياةَ المؤمِنينَ معه وحياةَ الأزواجِ مِن البهائم، وفي هذا حِفْظُ البهائمِ من انقِراضِها، وحمايتُها مِن أن تَهلِكَ


(١) أخرجه البخاري (١٤٧٣)، ومسلم (١٠٤٥).
(٢) أخرجه البخاري (٤٦٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>