الزينةِ"؛ يعني: أنَّ المذكُورِينَ هم المَحارِمُ، وهم المعنيُّونَ بقولِه قبلَ ذلك: ﴿وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا﴾، وليس الأجانِبَ، فذُكِرُوا للبيانِ والإيضاحِ، والزوجُ له فضلٌ على الجميعِ وخَصوصِيَّةٌ؛ كما قاله ابنُ زيدٍ.
التدرُّجُ في فَرْضِ الحِجابِ:
يذهب بعضُ المفسِّرينَ: أنَّ الحِجابَ لم يُفرَض جُمْلةً واحدةً؛ وإنَّما جاء متدرجًا، فأوَّلُ ما نزَلَ وذُكِرَ فيه عمومُ المؤمناتِ: آياتُ النورِ، ثمَّ آياتُ سورةِ الأحزابِ، ومِن هؤلاء ابنُ جريرِ الطَّبَرِيُّ وأبو بكرٍ الجَصَّاصُ وابنُ تيميَّةَ وغيرهم، وهؤلاء يتَّفقونَ مع غيرِهم في الغايةِ والنهايةِ التي استقَرَّ عليها الحُكْمُ، وإنِ اختلَفوا مع غيرِهم في المراحلِ.
وكثيرٌ ممَّن ينظُرُ في كتُبِ المفسِّرينَ فينظُرُ في سورةِ النورِ فيَراهُم ينقُلونَ كلامَ السلفِ في الزينةِ الظاهرةِ بإجمالٍ، ثمَّ يُعلِّقُ أولئك الأئمَّةُ في سورةِ النورِ ويَنُصُّونَ على جوازِ كشفِ المرأةِ لوجهِها وكفَّيْها، ولو نظَروا في كلامِهم في سورةِ الأحزابِ، لَوَجَدوا أنَّهم يَمنَعونَ، وليس هذا اضطرابًا ولا قولَينِ؛ فالمؤلِّفُ واحدٌ، والكِتابُ واحدٌ؛ وإنَّما لأنَّهم يرَوْنَ تقدُّمَ آيةِ الحِجابِ مِن سورةِ النورِ على آيةِ الحِجابِ مِن سورةِ الأحزابِ، فيُفسِّرونَ كلَّ موضعٍ بحسَبِ ما فهِمُوهُ في موضعِهِ، ومَن جَهِلَ المتقدِّمَ والمتأخِّرَ مِن السُّوَرِ عندَ الأئمَّةِ، لم يَفهَمْ مَقاصدَ القرآنِ وأحكامَهُ عندَ المفسِّرينَ:
قال ابنُ جريرٍ الطبريُّ في سورةِ الأحزابِ: "لا يَتَشَبَّهْنَ بالإماءِ في لباسِهِنَّ إذا هُنَّ خَرَجْنَ مِن بيوتِهنَّ لحاجتِهنَّ، فكشَفْنَ شُعُورَهنَّ ووُجُوهَهنَّ، ولكنْ لِيُدْنِينَ عليهنَّ مِن جلابيبِهنَّ" (١)، وذكَرَ تفسيرَ السلفِ