للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد حكى الإجماعَ غيرُ واحدٍ مِن العلماءِ على أنَّه لا يجوزُ للعجوزِ أنْ تَكشفَ شَعَرَها للأجانبِ مهما بلَغَ سِنُّها؛ حكى الإجماعَ ابنُ حَزمٍ (١)، والجَصَّاصُ (٢)، وغيرُهما، فشعَرُ العجوزِ عورةٌ للأجانبِ كشَعَرِ الشابَّةِ بلا خلافٍ.

وإذا كان تفسيرُ ابنِ عمرَ وابنِ عبَّاسٍ وابنِ جُبَيْرٍ وعِكرِمةَ والحسنِ والشَّعْبيِّ والضَّحَّاكِ ومجاهدِ وقتادةَ لآيةِ: ﴿وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا﴾: أنَّها الوجهُ والكَفَّانِ ويُرادُ بها للأجانبِ، فما الفائدةُ مِن تزولِ آيةِ القواعدِ، والترخيصِ لها بالجلبابِ؟ !

الوجهُ الرابعُ: أنَّ اللَّهَ نَهى عن إظهارِ الزينةِ بقولِه: ﴿وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ﴾، ثمَّ استثنى فقال: ﴿إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا﴾، ثمَّ أرادَ أنْ يُبيِّنَ المَعْنِيِّينَ بالإظهارِ مُفصِّلًا لمَراتبِهم بحسَب قُرْبِهم، فقال: ﴿وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ﴾ الآية، وقد يَستشكِلُ البعضُ ذِكْرَ الزوجِ مع أنَّه لا يُستثنى دونَهُ شيءٌ، وإنَّما ذُكِرَ مع غيرِهِ مِن المَحارمِ مِن بابِ حصرِ المعنيِّينَ؛ حتى لا يُظَن أن الخِطابَ للأبعَدِينَ، وليس المرادُ أنَّ الزِّينةَ له كالزِّينةِ لغيرِه؛ ولذا بدَأَ به للخَصُوصِيَّةِ، فالمفسِّرونَ يَعلَمونَ اختلاف مَراتبِ المذكورينَ؛ روى ابنُ وهبٍ، عن ابنِ زيدٍ؛ قال: "والزوجُ له فضلٌ، والآباءُ مِن وراءِ الرجُلِ لهم فضلٌ، قال: والآخَرونَ يتفاضَلونَ، قال: وهذا كلُّه يَجمَعُهُ ما ظهَرَ مِن الزينةِ"؛ أخرَجَهُ ابنُ جريرٍ (٣).

فقولُ عبدِ الرحمنِ بنِ زيدِ بنِ أسلَمَ: "وهذا كلُّه يَجمَعُهُ ما ظهَرَ مِن


(١) "المحلَّى" (١٠/ ٣٢).
(٢) "أحكام القرآن" للجصاص (٥/ ١٩٦).
(٣) "تفسير الطبري" (١٩/ ١٧٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>