للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

﴿وَلَا تَهِنُوا فِي ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ﴾؛ يَعني: "لا تَضعُفوا" (١).

ومِثلُهُ قولُهُ تعالى: ﴿وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ﴾ [آل عمران: ١٣٩]، ومنه قولُهُ تعالى: ﴿قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي﴾ [مريم: ٤]، وقولُه: ﴿وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ﴾ [لقمان: ١٤]؛ يَعني: ضَعْفًا، وفي الحديثِ: (وَهَنَتْهُمْ حُمَّى يَثْرِبَ) (٢)؛ يَعني: أضعفَتْهم.

خَطَرُ الوَهَنِ على النفسِ:

واللهُ نهى عَنِ الوَهَن، والمرادُ: النهيُ عن أسبابِ حدوثِهِ في النفوسِ؛ وذلك أنَّ الشيطانَ لظُلمِهِ يُذَكِّرُ المؤمنينَ بِمواضعِ قوةِ الكافرينَ، ويُغيِّبُ عنهم مواضعَ قوةِ المؤمنينَ، واللهُ عَدْلٌ؛ يُذكِّرُ المؤمنينَ بالحالَيْنِ: قوَّةِ المؤمنينَ، وقوةِ الكافرينَ؛ حتَّى لا يَستحضِرَ المؤمنُ قوةَ المؤمنينَ وحدَها، فيغترَّ مُعتمِدًا عليها، ولا يَستحضِرَ قوةَ الكافرينَ وحدَها، فيُصيبَهُ الوهنُ والهوانُ، فذكَّرَ اللَّهُ بالأمرَيْنِ: ﴿إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ﴾، ولكنَّ اللهَ ذكَّرَ المؤمنينَ بخصيصةٍ ليسَتْ للكافرينَ؛ وهي عِلمُهُمْ باللهِ وعزَّتِهِ وقُدْرَتِه، فيَخشَوْنَهُ وَيرْجُونَ العاقبةَ في الآخرةِ؛ ﴿وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لَا يَرْجُونَ﴾، والغلَبةُ للمؤمنينَ بما يُؤمِنونَ به ولو قَلُّوا عَدَدًا وعُدَّةً.

صلاةُ الخوفِ عند طلبِ المسلمين للمشركين:

وقولُه تعالى: ﴿وَلَا تَهِنُوا فِي ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ﴾ يُعقَّبُ به على قولِ الشافعيِّ في أنَّ صلاةَ الخوفِ لا تكونُ إلَّا عندَ طلبِ الكافِرِينَ للمُسلِمِينَ، بخلافِ ما لو كانَ المُسلِمونَ هم الطَّالِبِينَ، وذلك ظاهرٌ في قولِ الشافعيِّ: "وليس لأحدٍ أن يُصلِّيَ صلاةَ الخوفِ في طلب العدوِّ؛ لأنَّه آمِنٌ، وطلَبُهُمْ تطوُّعٌ، والصلاةُ فرائضُ، ولا يُصلِّيها كذلك إلَّا خائفًا" (٣).


(١) "تفسير الطبري" (٧/ ٤٥٤)، و "تفسير ابن أبي حاتم" (٤/ ١٠٥٧).
(٢) أخرجه مسلم (١٢٦٦) (٢/ ٩٢٣).
(٣) "مختصر المزني" (٨/ ١٢٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>