للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

النَّبِيِّ ، فَقَالُوا: السَّامُ عَلَيْكَ، فَلَعَنتهُم، فَقَالَ: (مَا لَكِ؟ )، قُلتُ: أَوَ لَمْ تَسْمَعْ مَا قَالُوا؟ ! قَالَ: (فَلَمْ تَسْمَعِي مَا قُلْتُ: وَعَلَيْكُمْ؟ ! ) (١).

وقد وجَّه اللَّهُ الخِطَابَ بعدَ ذلك للمؤمنينَ محذِّرًا مِن مشابَهةِ اليهودِ بالتَّناجِي على طريقتِهم، بما يُوغِرُ الصدورَ ويُوقِعُ البَغْضاءَ؛ فلا يجوزُ أن يتناجَى أحدٌ مع أحدٍ بقصدِ إحزانِ أحدِ الحاضِرِينَ ولو لم يكنْ مقصودًا بذلك؛ فما دام أنَّه يَظُن أنَّه المرادُ، فلا يجوز التناجِي أمامَهُ ولو كان في المَجلِسِ غيرُه؛ وذلك لظاهرِ الآيةِ.

أنواعُ النَّجوَى المنهيِّ عنها:

وقد نَهى اللَّهُ ونبيُّه عن النَّجْوَى والمُسَارَّةِ في الحديثِ في حالاتٍ ثلاثٍ:

الحالةُ الأُولى: التناجِي بالإثمِ والعُدْوانِ، والغِيبةِ والنميمةِ، والمَكْرِ والخديعةِ، فهذه مع كونِها محرَّمةً في ذاتِها إلا أنّه خُصَّ النهيُ عن التناجِي بها؛ لأنَّ الإسرارَ بالشرِّ يُنمِّيهِ ويجسِّرُ النفوسَ على المزيدِ منه وفعلِه، ولا يجدُ فاعلُهُ مُنكِرًا عليه؛ لأنَّ الناسَ لا يَرَوْنَهُ، ولو قُصِدَ أحدٌ بسُوءٍ بتلك النجوى، لم يَحتَطْ لنفسِه مِن شرِّهم، وأمَّا الجهرُ به، فمع كونه محرَّمًا إلَّا أنَّ فاعلَهُ يجدُ مُنكِرًا يُنكِرُ عليه لو سَمِعَهُ، والنَّفْسُ تَنفِرُ مِن المُجاهَرةِ بالسُّوءِ بطَبْعِها، والمُنكَرُ المُعلَنُ لا يدومُ؛ لأنَّ الفِطْرةَ والناسَ يُقاوِمونَهُ ويَدفَعونَه، بخلافِ المُنكَرِ الذي يَستتِرُ به، فيَدومُ وتتوطَّنُ عليه النَّفْسُ؛ ولهذا تَبدَأُ الشرورُ سِرًّا في الناسِ حتى يَتطبَّعوا عليها، ثمَّ يُعلِنونَ بها، فالسِّرُّ أصلُ كلِّ شرٍّ.

الحالةُ الثانيةُ: التناجِي لإحزانِ أحدٍ أو جماعةٍ مِن المؤمِنِينَ،


(١) أخرجه البخاري (٢٩٣٥)، ومسلم: (٢١٦٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>