للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

عليهم كلَّ حَوْلٍ، ولكنَّ الحَجَّ يجبُ في العُمْرِ مَرَّةً، وهو أقرَبُ لنسيانِ الأفرادِ؛ خاصَّةً النائِينَ عن مَكَّةَ لمعرِفةِ مواقيتِهِ، وأمَّا ما يَرِدُ على الناسِ كلَّ يومٍ كالصلواتِ الخمسِ، فإنهم يَضبِطونَ وقتَهُ أكثرَ ممَّا يَمُرُّ عليهم كلَّ سنةٍ؛ كصيامِ رمضانَ، وزكاةِ المالِ، وما يجبُ عليهم كلَّ سنةٍ أضبَطُ ممَّا يجبُ عليهم في العمرِ مرةً؛ كالحجِّ؛ ولذا تَجِدُ عامَّةَ الناسِ يفقَهونَ أحكامَ الصلاةِ أكثرَ مِن الصيامِ والزكاةِ، ومسائلَ الصيامِ والزكاةِ أكثرَ مِن الحجِّ.

والعالِمُ الرَّبَّانيُّ الحكيمُ يُدرِكُ قَدْرَ ما يحتاجُ إليه الناسُ في دينهم؛ فيهتمُّ به ولو كان غيرُهُ مِن أحكامِ الدِّينِ أَوْلَى منه؛ إذا كان واضحًا لهم ومستقِرًّا، فيخُصُّ ما يجهلونَهُ بمَزِيدِ بيانٍ، ولا يترُكُ الأهمَّ المعروفَ ويُهمِلُهُ، بل ينبِّهُ عليه تنبيهًا؛ حتَّى لا يضعُفَ في القلوبِ.

أشهُرُ الحجِّ:

وفي الآيةِ: تنبيهٌ إلى مواقيتِ الحجِّ والزمنِ الذي يُعقَدُ فيه، وأشهُرُ الحجِّ: شوَّالٌ وذو القَعْدةِ وعَشْرٌ من ذي الحِجَّةِ؛ قاله ابنُ عُمَرَ؛ كما رواهُ البيهقيُّ وغيرُهُ؛ مِن حديثِ عُبَيْدِ اللهِ، عن نافعٍ، عنه (١).

وبنحوِه رواهُ عن ابنِ عباسٍ؛ مِن حديثِ خُصَيْفٍ، عن مِقسَمٍ، عنه (٢).

ورُوِيَ عن مالكٍ والشافعيِّ: أنَّ ذا الحِجَّةِ كاملًا مِن أشهرِ الحجِّ.

والقولُ بتمامِ ذي الحِجَّةِ لا قيمةَ له في صحَّةِ الحَجِّ؛ لأنَّ الحجَّ عَرَفةُ؛ وإنَّما ثمَرَتُهُ في العُمْرةِ في أشهُرِ الحَجِّ وفضلِها، والطاعاتِ والقُرُباتِ، والمعتمِرُ بعدَ عَرَفةَ لا يُعدُّ متمتِّعًا حتَّى عندَ مَن يقولُ بأنَّ ذا الحجَّةِ كاملًا مِن أشهُرِ الحجِّ.


(١) أخرجه البيهقي في "السنن الكبرى" (٤/ ٣٤٢).
(٢) أخرجه البيهقي في "السنن الكبرى" (٤/ ٣٤٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>