للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفي الآيةِ: دليلٌ على قيمةِ الزمنِ، وأنَّ اللهَ خلَقَ النَّيِّرَيْنِ الشمسَ والقمرَ، وهما أعظَمُ أجرامِ المَجَرَّةِ نفعًا؛ جعَلَهُما لمنافِعَ، مِن أهمِّها ضبطُ الوقتِ، ولمَّا خلَقَهُما اللهُ لأَجْلِ زمنِ الناس، دلَّ على إِكرامِ الله لِبني آدمَ، وأنَّه فضَّلَهم على المخلوقاتِ؛ بأنْ سخَّر المخلوقاتِ لهم، ولَم يسخِّرْهُمْ للمخلوقاتِ كالشمسِ والقمرِ، وإنَّما سخَّرَ اللهُ الناسَ له وحدَهُ، فأوجَبَ عبادتَهُ عليهم، ولكنَّ الإنسانَ كفورٌ مبينٌ.

وكلَّما كان الإنسانُ لِزَمَنِهِ أضبَطَ، كان لعَمَلِهِ أتقَنَ، وأضيَعُ الناسِ لحسابِ زمنِهِ أضيعُهُمْ لعَمَلِهِ؛ لأنَّ أفضلَ الأعمالِ وأجوَدَها ما انضبَطَ بالزمنِ، وأقلَّها ما أُنجِزَ على التراخِي.

وفي الآيةِ: دليلٌ على وجوبِ معرِفةِ الآجالِ للبيعِ والمساقاةِ والمؤاجَرةِ عند عامَّةِ العلماءِ.

ثمَّ ذكَرَ اللهُ الحجَّ بِقولِه: ﴿قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ﴾؛ وهذا مِن بابِ عطفِ الخاصِّ على العامِّ؛ للاهتمامِ به؛ وذلك لبيانِ أنَّ الأهِلَّةَ مواقيتُ للناسِ في سائرِ أعمالِهِم، ولضبطِ مواقيتِ الحجِّ.

وهذا لا يعنِي تقديمَ الحجِّ على ما يَسبِقُهُ مِن أركانِ الإِسلامِ؛ كما في حديثِ ابنِ عُمَرَ في "الصحيحَيْنِ": (بُنِيَ الْإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ. . .)؛ الحديثَ (١)، وما في حديثِ أبِي هريرةَ في قصةِ جبريلَ حينَما سُئِلَ عن الإِسلامِ، قَالَ: "الإسْلَامُ أَنْ تَشْهَدَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ، وَتُقِيمَ الصَّلَاةَ. . ."؛ الحديثَ (٢)؛ وذلك لأنَّ الصلاةَ إنَّما تُعرَفُ مواقيتُها بالشمسِ، لا بالأَهِلَّةِ، ثمَّ إنَّ الاهتمامَ بالحجِّ لكونِهِ يحتاجُ إلى ضبطٍ وتحرٍّ؛ فالناسُ يَجْهَلونَ أَمْرَهُ أكثرَ مِن غيرِهِ كالصيامِ والزكاةِ التي تدورُ


(١) أخرجه البخاري (٨) (١/ ١١)، ومسلم (١٦) (١/ ٤٥).
(٢) أخرجه مسلم (٨) (١/ ٣٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>