حضورِه، ويَعْصُونَهُ في غيابِه؛ كما قال تعالى قبلَ ذلك: ﴿وَيَقُولُونَ طَاعَةٌ فَإِذَا بَرَزُوا مِنْ عِنْدِكَ بَيَّتَ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ غَيْرَ الَّذِي تَقُولُ﴾ [النساء: ٨١].
الصدقُ مع الأمير في الظاهِرِ والباطِنِ:
ومَن أظهَرَ للأميرِ خلافَ ما يُخفِيهِ، فقد وقَعَ في شُعْبةٍ مِن النِّفاقِ؛ لأنَّ هذا يُفسِدُهُ ويُفسِدُ البلدَ التي يتولَّاها، ولا يجوزُ للناسِ والعلماءِ خاصَّةً أنْ يُظهِرُوا للسُّلْطانِ ما يُفهَمُ منه الانقيادُ له والرِّضا عنه وعلى فِعْلِه، وإقرارُهُ عليه، وهم يضمرون خلافَ ذلك؛ لأنَّ هذا في الدِّينِ نِفاقٌ، وفي السياسةِ خديعةٌ، وهو يُخالِفُ النصيحةَ في الدِّينِ؛ كما في حديثِ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ في "الصحيحِ"؛ قال ﷺ:(الدِّينُ النَّصِيحَةُ)، قُلْنَا: لِمَنْ؟ قَالَ:(لِلَّهِ وَلِكِتَابِهِ وَلِرَسُولِهِ وَلأَئِمَّةِ المُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ)(١).
ومَن عَجَزَ عن النصيحة، فلا يَقْرَبِ السُّلْطانَ ولا يُجالِسْهُ؛ لأنَّ مُجالَسَةَ العالِمِ له مع عدمِ نُصْحِهِ إقرارٌ، خاصَّةً عندَ تَكْرارِها ودوامِها، ومِن أكثَرِ ما يُفسِدُ على الناصِحِينَ العلماءُ الذين يُكْثِرونَ الدخولَ على السُّلْطانِ مع سكوتِهم، فإنْ نُصِحَ السُّلْطانُ مِن غيرِهم، استحضَرَ إقرارَ الساكِتِينَ، وحَمَلَ نُصْحَ المُصلِحِينَ على مُنازَعةِ الأمرِ والتربُّصِ والفِتْنةِ.
ويَعظُمُ شرُّ الساكِتِينَ على الباطلِ إنْ مَدَحُوا السُّلْطانَ على الخيرِ، وسَكَتُوا عن الشرِّ، وظَنُّوا أنَّ سكوتَهم على الشرِّ ليس إقرارًا، وأنَّ مَدْحَهم له على الخيرِ حقٌّ؛ وإنَّما يُفتَنُ السُّلْطانُ الذي يُمدَحُ ولا يُنصَحُ ولو كان المدحُ بحقٍّ.
وأشدُّ ذلك: أنْ يَمْدَحَ العالِمُ الحاكمَ على الشرِّ قولًا وفعلًا؛ وهذا مِن تزيين الباطلِ في صورةِ الحقِّ؛ وهو مِن أفعالِ المنافقين، لا العلماءِ الراسخين ولا الفاقهين.