والأرجَحُ الأَوَّلُ؛ لأنَّ أعظمَ مقاصدِ العِدَّةِ براءةُ الرَّحِمِ، وقد جعَلَ اللهُ استبراءَ الأَمَةِ بحَيْضةٍ، فلا تُوطَأُ سُرِّيَّةٌ إلَّا بعدَ استبرائِها بها، ولكنْ لمَّا كانَتِ الحُرَّةُ ثلاثةَ قُروءٍ، واجتمَعَ في عِدَّةِ المطلَّقةِ مقاصدُ غيرُ مَقصَدِ الاستبراءِ؛ كالأمَدِ بالتفكيرِ في المراجَعةِ بينهما، نقَصَتِ الأمَةُ عنِ الحُرَّةِ؛ فلا تعتدُّ ثلاثةَ قروءٍ، وارتفَعَتْ عن مَقْصَدِ الاستبراءِ وَحْدَهُ؛ كالسُّرِّيَّةِ؛ فلا تعتدُّ بحَيْضةٍ، فكانت عِدَّتُها قُرْأَيْنِ.
ويدخُلُ في الآيةِ: المرأةُ التي ينقطِعُ حَيْضُها انقطاعًا عارضًا باختيارِها؛ كالمُرْضِعِ ومَن تأخُذُ دواءً يتسبَّبُ في قَطْعِ الدَّمِ، أو بغيرِ اختيارِها، لكنَّه عارِضٌ؛ كمَرَضٍ يُرْجَى بُرْؤُهُ جَفَّفَ الدَّمَ عنها، فتتربَّصُ بالأقراءِ؛ لعمومِ الآيةِ، ولعدَمِ دخولِها في حُكْمِ غيرِها مِن الآيِسِ والحامِلِ.
وهذا قولُ الأئمَّةِ الأربعةِ، وقال بِه مِن الصحابةِ: عثمانُ وعليٌّ وابنُ مسعودٍ وزيدٌ.
انقطاعُ دمِ المطلَّقةِ في عِدتها:
ومَنِ انقَطَعَ دَمُها لغيرِ عارضٍ، ولم تبلُغْ سِنَّ الإياسِ بعدُ، ففي المسألةِ قولانِ مشهورانِ:
الأوَّلُ: وهو أعلى ما جاء في ذلك، عن عُمَرَ بنِ الخَطَّابِ؛ كما رواهُ مالِكٌ وعبدُ الرزَّاقِ، عنه؛ قال:"أيُّما امرأةٍ طُلِّقَتْ ثمَّ حاضَتْ حَيْضةً أو حيضتَيْنِ، ثمَّ ارتفعَتْ حَيْضَتُها، فإنَّها تنتظِرُ تسعةَ أشهُرٍ؛ فإنْ بان بها حملٌ فذلك؛ وإلَّا اعتَدَّتْ بعدَ التِّسْعةِ ثلاثةَ أشهُرٍ، ثمَّ حَلَّتْ"(١).
(١) أخرجه مالك في "الموطأ" (عبد الباقي) (٧٠) (٢/ ٥٨٢)، وعبد الرزاق في "مصنفه" (١١٠٩٥) (٦/ ٣٣٩).