وإنَّما ذكَرَ اللهُ هذه الآيةَ بعدَ آيةِ خلْقِ السمواتِ والأرضِ، وعطَفَها عليها بالواوِ؛ ليبيِّنَ تسلسُلَ العملِ، وأنَّ الحقائقَ لا تَرْسَخُ في الأذهانِ إلا بذِكْرِ مَبْدَئِها مُتسلسِلًا؛ وبذلك تَقْوَى القناعاتُ، ويحصُلُ التسليم، ولِيُثْبِتَ سبحانَهُ لعبادِهِ أنَّ هذه المخلوقاتِ: الشمسَ والقمرَ، والأفلاكَ والأرضَ، خُلِقَتْ للإنسانِ المستخلَفِ وتدبيرِ شأنِهِ، وهذا إكرامٌ لبني آدمَ، وعبادةُ الإنسان لهذه المخلوفاتِ تنكيسٌ لمقادير الخليقةِ؛ فمَن عبَدَ الشجرَ والحَجَرَ والكواكبَ مِن دونِ اللهِ - وهي مخلوقةٌ له - لم يَعْرِفِ الحِكْمةَ مِن الخلْقِ، وإنَّما عبَدَ شيئًا خُلِقَ لأجلِهِ، وهذا مع كونِهِ جهالةً عقليَّةً، فهو ضلالةٌ في الشريعةِ وشِرْكٌ في حقِّ اللهِ سبحانه.
[سبب ضلال الناس]
ومن أعظمِ ما يُوقِعُ الإنسانَ في الخطإِ والشرِّ: جهلُهُ بمقاديرِ الأشياءِ وقِيَمِها؛ فجهلُ الإنسانِ بنفسِهِ وبغيرِهِ، وذَهَابُ الحِكْمةِ مِن إيجادِهِ عنه، يجعلُهُ يَتَّجِهُ إلى غيرِهِ بنظرٍ خاطئٍ، ومعرفتُهُ بنفسِهِ وجهلُهُ بغيرِهِ كذلك؛ فمَن عرَفَ الأشياءَ على الحقيقةِ، عدَلَ في نفسِهِ معها، ومَن جَهِلَ قيمةَ سلعةٍ باعَها ببَخْسٍ.
وسببُ الشرِّ في بني آدمَ هو إعراضُهم عمَّا عَرَّفَ اللهُ به المخلوقاتِ، وعن مَنْزِلتهم عندَها، فوقَعُوا في أنواعِ الشركِ؛ خوفًا ومحبةً، وطاعةً وعبادةً، ورجاءً وغيرَ ذلك.