للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

القولُ الأولُ: قولُ أبي حنيفةَ وأصحابِه؛ أنَّ السفرَ المُبِيحَ للقَصْرِ هو مسافةُ ثلاثةِ أيَّامٍ.

القولُ الثَّاني: قولُ مالكٍ والشافعيِّ وأحمدَ؛ أنَّ حدَّ السفرِ المبيحِ للقصرِ أربعةُ بُرُدٍ، وهو مسيرةُ يومَيْنِ.

القولُ الثالثُ: قولٌ لمالكٍ والشافعيّ، وروايةٌ عن أحمدَ؛ أنَّ حدَّ السفرِ المبيحِ للقَصْرِ هو مسيرةُ يومٍ تامٍ.

ولمالكٍ خمسُ رواياتٍ في حدِّ مسافةِ القصرِ.

اشتراطُ الخروجِ من البلدِ للترخُّصِ بالسفر:

وفي قوله: ﴿وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ﴾ إشارةٌ إلى أنَّه لا يقصُرُ حتَّى يَشرَعَ في السفَر، وهو الضَّرْبُ، ومَن نَوى السفَرَ وعزَمَ عليه أنَّه لا يقصُرُ ولا يُفطِرُ ما دامَ لم يشرَعْ في السَّفَر، ومَن شرَعَ في السَّفرِ الصحيح، وسار بمَرْكَبتِه، جاز له القصرُ إنْ كان في بلدٍ كبيرٍ كثيرِ العُمْران، فلا يجبُ عليه أن يَسْفِرَ مِنَ البيوتِ ويَبرُزَ عنها، ولو سُمِّيَ المسافِرُ مُسافِرًا؛ لإسفارِهِ وبروزِه مِن بلدِه، فأصلُ التسميةِ لا يتعلَّقُ به حُكْمٌ لازمٌ لا يُخرَجُ عنه؛ فإنَّ الأسماءَ والمصطلَحاتِ في الشريعةِ لا يُناطُ بها حُكْمُ الشرعِ مِن كلِّ وجهٍ؛ وإنَّما هي تدلُّ على حُكْمِ الشرعِ مِن بعضِ الوجوهِ أو أكثَرِها، فقد يَسْفِرُ الرجلُ مِن بلَدِه، ولا يُعَدُّ مُسافِرًا مع بُروزِه عنها، وإنَّما ذكَرَ عامَّةُ الفقهاءِ قيدَ بُروز المسافر لتَرخُّصِهِ بالقَصْر والفِطْر؛ وذلك في البُلْدانِ الصغيرة، فهو أمرٌ يَنضبِطُ في زَمانِهم؛ لأنَّ عمومَ البُلْدانِ على هذا.

وقد يوجدُ اليومَ مِنَ البُلْدانِ التي لا يَنفكُّ البناءُ فيها عن المسافرِ ولو سار مَسيرةَ يومَيْنِ أو ثلاثةِ أيامٍ ماشيًا؛ كما في بعضِ بلادِ الهندِ والصِّينِ والقاهرةِ اليومَ، ولأنَّ الحُكْمَ في القصرِ تعلَّقَ برفعِ الحرَج، فلا يتعلَّقُ الحُكْمُ بغيرِه ما وُجِدَ اسمُ السَّفَرِ وتحقَّقَ القصدُ له؛ ولذا كان بعضُ السلفِ مِن الصحابةِ والتابعينَ يقصُرُ بعد خروجِهِ مِن بيتِهِ وأهلِه؛ كما صحَّ عن

<<  <  ج: ص:  >  >>