للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقولُهُ تعالى: ﴿وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ﴾، يَعني: قابِلينَ لكَلامِهم مُنصِتينَ له، والسَّمَاعُ للشيءِ: القابلُ له؛ كما في قولِهِ تعالى: ﴿سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ﴾ [المائدة: ٤١]؛ يعني: قابِلينَ له، وقد جعَلَهُمُ اللهُ في المؤمِنِينَ بقَوْلِه: ﴿وَفِيكُمْ﴾، فلَم يَجعَلْهم مِن المُنافِقينَ.

وقد ذكَرَ بعضُ المفسِّرينَ مِن السَّلَفِ: أنَّ أولئك عيونٌ للمنافِقينَ؛ يَنقُلُونَ الكلامَ إليهم؛ كما قالهُ مجاهِدٌ وابنُ زيدٍ والطبريُّ (١)؛ والأوَّلُ أظهَرُ وأشبَهُ.

اختلاطُ المُنافِقِ بالفاسِقِ عندَ بعضِ المُسلِمينَ:

ولا بدَّ أن يكونَ في صفِّ المؤمِنِينَ مَن يُحسِنُ الظنَّ بالمُنافِقينَ؛ لِمَا يُظهِرونَهُ مِن خيرٍ، ويَخْفى علهم ما يُبطِنونَهُ مِن شرٍّ، وهذا يَغلِبُ في أهلِ الغَفْلةِ والغَرَارَةِ مِن أهلِ الإيمانِ الذين لا يُحسِنونَ رَبْطَ الحوادثِ المُتباعِدةِ بعضِها ببعضٍ، وسَبْرَ الأحوال، ومعرفةَ لَحْنِ القولِ والغايةِ منه، مع الجهلِ بِصِفَاتِهم في القرآنِ وطريقتِهم في العَدَاءِ للمؤمنينَ، وحَمْلِ ما يبدُرُ منهم مِن شرٍّ على أنه خطأٌ وفِسْقٌ، لا نِفاقٌ، وهؤلاء الذين لا يُفرِّقونَ بينَ الفاسقِ والمنافقِ؛ كما روى البخاريُّ، عن زيدِ بنِ وهبٍ؛ قال: "كنَّا عندَ حُذَيْفةَ، فقال: مَا بَقِيَ مِنْ أَصْحَاب هَذِهِ الآيَةِ إِلَّا ثَلَاثَةٌ، وَلَا مِنَ المُنَافِقِينَ إِلَّا أَرْبَعَةٌ، فَقَالَ أعْرَابِيٌّ: إِنَّكُمْ - أَصْحَابَ مُحَمَّدٍ تُخْبِرُونَا فَلَا نَدْرِي، فَمَا بَالُ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يَبْقُرُونَ بُيُوتَنَا وَيَسْرِقُونَ أَعْلَاقَنَا؟ قَالَ: أُولَئِكَ الفُسَّاقُ، أَجَلْ، لَمْ يَبْقَ مِنْهُمْ إِلَّا أَرْبَعَةٌ، أَحَدُهُمْ شَيْخٌ كَبِيرٌ، لَوْ شَرِبَ المَاءَ البَارِدَ، لَمَا وَجَدَ بَرْدَهُ" (٢).


(١) "تفسير الطبري" (١١/ ٤٨٦، و ٤٨٧)، و"تفسير ابن أبي حاتم" (٩/ ١٨٠٦)، و "تفسير ابن كثير" (٤/ ١٦٠).
(٢) أخرجه البخاري (٤٦٥٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>