للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الثالثُ: استخدامُهُمْ للغافِلِينَ مِن المُسلِمينَ، الذين يَنْشُرونَ قَالَةَ السُّوءِ بحُسْنِ قصدٍ، فتَختَلِطُ الصفوفُ بدخولِ غيرِهم في صفِّهم، ولا يُفرِّقُ الناسُ بينَ ناقلِ السوءِ ومُختلِقِ السوء، وبينَ مُوقِدِ الفتنةِ والنافخِ فيها عن جهلٍ وحَمِيَّةٍ؛ وذلك في قولِهِ تعالى: ﴿وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ﴾.

وهؤلاءِ السَّمَّاعونَ ليسوا مُنافِقينَ؛ وإنَّما هم أحسَنُوا الظَّنَّ بقصدِ المُنافِقينَ وحَسِبُوهُمْ صادِقينَ، فتقَلُوا كلامَهُمْ، وسارُوا مَسَارَهُمْ.

وقد قال مجاهدٌ في هؤلاء: "فحدِّثونَ عُيونٌ غيرُ المُنافِقينَ" (١).

وقال قَتادةُ: "وفيكم مَن يَسمَعُ كلامَهم ويُطيعُهم" (٢).

وقد يكونُ في المؤمِنِينَ مَن تُغيِّبُ نفسُهُ عَلَاماتِ النِّفاقِ عن المُنافِق، فلا يَرى إلَّا قرابَتَهُ إنْ كان قريبًا، أو وَطَنِيَّتَهُ إنْ كان بَلَدِيًّا له، أو يتأثَّرُ بما يُظهِرُهُ مِن حَمِيَّةٍ وغَيْرةٍ على المُسلِمينَ وهو يُبطِنُ غيرَها، وقد قال ابنُ إسحاقَ: "في المُسلِمِينَ قومٌ أهلُ مَحَبَّةٍ للمُنافِقينَ وطاعةٍ فيما يَدْعُونَهم إليه؛ لِشَرَفِهم فيهم" (٣).

وهذه الفئةُ مِن المؤمنينَ يَصْلُحُ أمرُهم، ولا مَضَرَّةَ منهم لو غابَ المنافِقونَ عنهم، وقد امتَنَّ اللهُ على المُسلِمينَ بغِيابِ المُنافِقينَ عن صفِّهم؛ حتَّى لا يَجِدُوا مِثْلَ هؤلاء، فيُؤثِّروا فيهم، فيُضِرُّوا بلُحْمةِ المؤمنينَ وجماعتِهم.

وقد بيَّن اللهُ أنَّ في المؤمنِينَ من هم مُنقادونَ بلا تفكُّرٍ؛ فإنْ سَمِعوا المُنافِقينَ، انقادُوا لهم، وإنْ سَمِعوا المؤمنينَ، انقادُوا لهم، وليس الشَّرُّ متأصِّلًا فيهم، وهؤلاء يُرفَق بهم، ولا يُجعَلون كحالِ المُنافِقينَ؛ فتَحْمِلَهم الجهالةُ وحميَّةُ الشيطان، فيَتمسَّكوا بالشرِّ فيَصيروا حَمَلَةً له.


(١) "تفسير الطبري" (١١/ ٤٨٦)، و"تفسير ابن أبي حاتم" (٦/ ١٨٠٨).
(٢) "تفسير الطبري" (١١/ ٤٨٦).
(٣) "تفسير الطبري" (١١/ ٤٨٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>