للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قولِهِ تعالى: {لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إِلَّا خَبَالًا}، والخَبَالُ: هو مَرَضُ العقولِ بالهَوَى، وما يخلُصُ عنه مِن رأيٍ مُفسِدٍ، فإذا تنازَعَ المؤمِنونَ في نازلةٍ وتَشاوَرُوا فيها، لم يَكُنْ رأيُ المُنَافِقينَ إلَّا في صالِحِهمْ مِن أمرِ دنياهم؛ لأنَّ غايتَهم تحقُّقُ أطماعِهم، وسلامةُ معيشتِهِمْ، وهزيمةُ المؤمنينَ.

الثاني: أنَّهم أصحابُ قالاتِ سَوْءٍ بالنَّمِيمةِ والغِيبة، وشَقِّ الصفِّ بالفتنةِ؛ كالتخويفِ مِن العدوِّ والترهيبِ منه؛ ليَفُتُّوا في عَضُدِ المؤمنينَ وعزيمتِهم؛ وهذا في قولهِ تعالى: {وَلَأَوْضَعُوا خِلَالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ}، والإيضاعُ هو الإسراعُ، ومِن ذلك لمَّا دفَعَ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - مِن مِنًى، وسَمِعَ وراءَهُ زجرًا شديدًا وضَرْبًا وصوتًا للإبل، فأشارَ بسَوْطِهِ إليهم، وقال: (أَيُّهَا النَّاسُ، عَلَيْكُمْ بِالسَّكِينَةِ؛ فَإِنَّ البِرَّ لَيْسَ بِالإيضَاعِ)؛ يَعني: الإسراعَ؛ رواهُ البخاريُّ (١).

ومنه قولُ امرِئِ القَيْسِ:

أُرَانَا مُوضِعِينَ لِأَمْرِ غَيْبٍ ... وَنُسْحَرُ بِالطَّعَامِ وَبِالشَّرَابِ

يعني: أنَّ المُنافِقينَ أصحابُ مُبادَرةٍ للفِتْنةِ يَسْعَوْنَ إليها ويَطلُبونَها؛ ليَفتَعِلوها بأنفُسِهم، لا يَنفُخُونَ فيها إن أَوْقَدَها غيرُهُمْ فحَسْبُ؛ لأنَّهم يُسارِعونَ إلى الإيقادِ، وأمَّا النَّفْخُ في الفتنة، فقد يقَعُ مِن مسلمٍ عن جهلٍ وحَمِيَّةٍ وفِسْقٍ، وأمَّا إيقادُ الفتنِ وإشعالُها، فلا يكون إلَّا مِن منافِقٍ أو عدوٍّ ظاهرٍ.

وشَقُّ صفِّ المؤمِنِين عندَ القتالِ خاصَّةَ أشَدُّ عليهم مِن ضَعْفِ السِّلاحِ؛ لأنَّ في اجتماعِهم قُوَّةً أعظَمَ من قُوَّةِ السِّلاح، فيُهزَمُ المؤمِنونَ بإضعافِ أَقْوى ما فيهم؛ بسببِ المنافِقينَ.


(١) أخرجه البخاري (١٦٧١).

<<  <  ج: ص:  >  >>