للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أنواعِه، والقاعدةُ في الإسرارِ والجَهْرِ بالعملِ الصَّالِحِ: أنَّ الأصلَ أنَّ الجَهْرَ بالفرائضِ أفضلُ مِن الإسرارِ بها، وأنَّ إخفاءَ النَّوافلِ أفضلُ مِن الجهرِ بها، ولكلِّ نوعٍ ما يُستَثنى منه بدليلٍ خاصٍّ؛ وهي قاعدةٌ غالبةٌ لا مُطَّرِدةٌ.

* * *

قال تعالى: ﴿وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا (١١٥)[النساء: ١١٥].

فيها: دليلٌ على عَظَمةِ الوحي، والنَّهْيُ عَنِ الخروجِ عنه، وعِصْمةُ النبيِّ ، والتحذيرُ مِن مخالَفتِه، وأنَّ الهُدَى لا يكونُ إلَّا معَه، والضَّلالَ في مُخالَفتِه.

عذرُ الجاهِلِ:

وربطُ المخالَفةِ والشِّقاقِ بالتبيُّنِ في قوله: ﴿مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى﴾ دليلٌ على عدَمِ دخولِ الجاهلِ في الوعيدِ فيما يصِحُّ معه العُذْرُ ويجوزُ، وما كانَت بيِّنتُهُ مِنَ الوحيِ فقَطْ، فيُعذَرُ مَن لم يَبلُغهُ الوحيُ إن لم يَسمَعْ به، وبحَثَ عنه فلم يَجِدْهُ، ومَن سَمِعَ به أو غَلَب على ظَنِّه وجودُهُ، ولم يَسْأَلْ عنه، أُوخِذَ به؛ لِتقصيرِهِ وإعراضِه، ولو كان في حقيقتِهِ لا يَعلَمُ، بخلافِ مَن كان غافلًا ولم يسمَعُ ولم يَغلِبْ على ظنِّه وجودُ ما يُخالِفُهُ مِن الوحي، فهو معذورٌ فيما كان دليلُه الشَّرْعَ، وأمَّا ما كان دليلُهُ الفِطْرةَ التي طُبعَ عَليها الناسُ، فلا يَصِحُّ العذرُ بها إلَّا للمجنونِ.

وهذه الآية نزَلَتْ في سياقِ قِصَّةِ سارقِ الدِّرْعِ، والمخالَفة المُرادَةُ: مُخالفةُ حُكمِ اللهِ وقضائِه، وهذا مَرَدُّهُ الشَّرْعُ، ولذا ربَطَ الوعيدَ والعقابَ

<<  <  ج: ص:  >  >>