وفيها: تنبيهٌ على الصبرِ على شِدَّةِ الدُّنيا وبلائِها، والصبرِ على أوامرِ اللهِ السابقةِ ما قَدَرَ الإنسانُ، وأنَّ الصابِرَ الذي يَجِدُ مشقَّةً في عملِهِ، فهو أفضلُ مِن غيرِه.
وقولُه: ﴿وَحِينَ الْبَأْسِ﴾: هو الجهادُ وقتالُ العدوِّ، والبُعْدُ عن المالِ والزوجةِ والوَلَدِ والبَلَدِ؛ فسَّرَهُ بهذا ابنُ مسعودٍ، ومجاهدٌ، وقتادةُ، والسُّدِّيُّ، وغيرُهم (١).
وجعلُ هذه الأعمالِ علاماتِ صدقٍ، تُبعِدُ الإنسانَ عن مجرَّدِ الدَّعْوَى، وهي التقوَى الحقيقيَّةُ، ويبقَى الإيمانُ دعوَى حتى يصدِّقَهُ العملُ.
حكمُ النَّفَقةِ مِن غيرِ الزكاةِ:
واستدَلَّ بعضُ العلماءِ بهذه الآيةِ على وجوبِ الإنفاقِ مِن المالِ مِن غيرِ الزكاةِ؛ وهذه المسألةُ على حالَيْنِ:
الحالُ الأُولى: عندَ نزولِ حاجةٍ بالأمَّةِ تستوجِبُ النفقةَ؛ فتجبُ بلا خلافٍ بينَ العلماءِ ولو من غيرِ الزكاةِ، ونفقتُهُ تجبُ بحسَبِ الحاجةِ التي تَحُلُّ بالناسِ، وقد يجبُ على صاحِبِ المالِ أن يُنفِقَ مِن مالِهِ ولو افتقَرَ؛ إذا كانتِ الحاجةُ ماسَّةً؛ كإنقاذِ الناسِ مِن الموتِ والهلاكِ، وكلُّ حالةٍ لها صورةٌ يُقدَّرُ فيها قدرُ وجوبِ النفقةِ وقَدرُ استحبابِها.
والحالُ الثانيةُ: مِن غيرِ نزولِ نازلةٍ بالأمَّةِ، فهل يجبُ على صاحِبِ المالِ أن يُخرِجَ مِن مالِهِ نفقةً أُخرى غيرَ الزكاةِ؟ على قولَيْنِ؛ والأرجحُ: الوجوبُ عندَ وجودِ أحدِ الأصنافِ الثمانيةِ ولو واحدًا، فيُنفِقُ عليه ولو بالقليلِ.