للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأصلِ التكليفِ؛ فالتكليفُ بعِلْمِ المكلَّفِ، لا بعلمِ غيرِه.

ولو قيلَ بعدمِ الإجراءِ، لَلَزِمَ أنْ يُقالَ ذلك فيمَنْ أنفَقَ على فقيرٍ، فاستعمَلَها في غيرِ وجهِها؛ لأنَّ المقصودَ مِن الزكاةِ سَدُّ حاجةِ الفقيرِ، ولم تتحقَّقْ كما لم تتحقَّقِ الزكاةُ إلى مُدَّعٍ للفقر كاذبٍ وهو غنيٌّ؛ ويؤيِّدُ الإجزاءَ: ما ثبَتَ في "الصحيحَيْنِ"، عن أبي هُرَيْرةَ ؛ أنَّ رَسُولَ اللهِ قَالَ: (قالَ رَجُلٌ: لَأَتَصَدَّقَّنَّ بِصَدَقَةٍ، فَخَرَجَ بِصَدَقَتِهِ، فَوَضَعَهَا فِي يَدِ سَارِقٍ، فَأَصْبَحُوا يَتَحَدَّثُونَ: تُصُدِّقَ عَلَى سَارِقٍ! فَقَالَ: اللَّهُمَّ لَكَ الحَمْدُ! لَأَتَصَدَّقَنَّ بصَدَقَةٍ، فَخَرَجَ بِصَدَقَتِهِ، فَوَضَعَهَا فِي يَدَيْ زَانِيَةٍ، فَأَصْبَحُوا يَتَحَدَّثُونَ: تُصُدِّقَ اللَّيْلَةَ عَلَى زَانِيةٍ! فَقَالَ: اللَّهُمَّ لَكَ الحَمدُ! عَلَى زَانِيَةٍ! لَأَتَصَدَّقَنَّ بِصَدَقَةٍ، فَخَرَجَ بِصَدَقَتِهِ، فَوَضَعَهَا فِي يَدَيْ غَنِيٍّ، فَأَصْبَحُوا يَتَحَدَّثُونَ: تُصُدِّقَ عَلَى غَنِيٍّ! فَقَالَ: اللَّهُمَّ لَكَ الحَمْدُ! عَلَى سَارِقٍ، وَعَلَى زَانِيَةٍ، وَعَلَى غَنِيٍّ! فَأُتِيَ، فَقِيل لَهُ: أَمَّا صَدَقَتُكَ عَلَى سَارِقٍ، فَلَعلَّهُ أَنْ يَسْتَعِفَّ عَنْ سَرِقَتِهِ، وَأَمَّا الزَّانِيَةُ، فَلَعَلَّهَا أَنْ تَسْتَعِفَّ عَنْ زِنَاهَا، وَأَمَّا الْغَنِيُّ، فَلَعَلَّهُ يَعْتَبِرُ فَيُنْفِقُ مِمَّا أَعْطَاهُ اللهُ) (١).

وقولُهُ تعالى: ﴿وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ﴾ مدَحَ اللهُ أهلَ الوفاءِ بعهدِه، ومَن صبَرَ على بأسِ الفقرِ والعَوَزِ، وضُرِّ المرضِ والأذَى؛ قال تعالى عن مَرَضِ أيُّوبَ على لسانِهِ: ﴿أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ﴾ [الأنبياء: ٨٣].

وفي الآيةِ: مدحٌ للصابرِ على البأساءِ والضراءِ، وهي شدائدُ الأمورِ، وهذه مواضعُ الفضلِ في الناسِ.

وفيها: إشارةٌ إلى فضلِ الصبرِ على الفقرِ، والتعفُّفِ عن السؤالِ، ما دامتِ النفسُ تَقْوَى على كفايةِ نفسِها.


(١) أخرجه البخاري (١٤٢١) (٢/ ١١٠)، ومسلم (١٠٢٢) (٢/ ٧٠٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>