والرِّدَّةُ تُحبِطُ العملَ السابقَ بلا خلافٍ؛ وإنَّما الخلافُ في عودتِهِ عندَ العودةِ للإسلامِ بعد الرِّدةِ، وفي المسألةِ قولانِ مشهورانِ:
الأوَّلُ: أنَّ الرِّدَّةَ لا تُحبِطُ العمَلَ السابقَ لِمَن عاد إلى الإسلامِ وأنابَ؛ وذلك أنَّ اللهَ قيَّد الإحباطَ في الآيةِ بقولِه: ﴿فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ﴾، فمَنِ ارتَدَّ ولم يَمُتْ عَلَى الرِّدَّةِ، عادَتْ حسَنَاتُهُ التي عَمِلَها؛ كالصلاةِ والزكاةِ وسائرِ الطاعاتِ، ولو كان قد أدَّى الحَجَّ، سقَطَ عنه؛ وهذا هو أحدُ القولَيْنِ عن أحمدَ، وقال به الشافعيُّ.
الثاني: أنَّ الرِّدَّةَ تُحبِطُ العملَ بالكليَّةِ، ولا يَرجِعُ عمَلٌ منها إلى صاحِبهِ، ولو كان قد أَدَّى الحجَّ، لَوَجَبَ عليه أن يُعِيدَهُ؛ قال بهذا مالكٌ وأبو حنيفةَ؛ وهو روايةٌ عن أحمدَ.
وقد أجرَى مَن قال بهذا القولِ عمومَ قولِهِ: ﴿وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾ [المائدة: ٥] على عمومِه، ولم يخصِّصْهُ بآيةِ البابِ.
وفي حَمْلِ الآيةِ عَلَى عمومِها نظَرٌ؛ وذلك أنَّ اللهَ قال: ﴿وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾ [المائدة: ٥]، ومَن عاد إلى الإسلامِ بعد رِدَّتِه، فليس مِن الخاسرين؛ وإنَّما المرادُ: مَن مات مرتدًّا.