أكثَرُ؛ ففي كلِّ غزوةٍ أيَّامٌ، وفي كلِّ يومٍ صلواتٌ، وكلُّ صلاةٍ على حالٍ مِن الخوفِ يَختلِفُ عن غيرِه، فاختَلَفَتِ الصُّوَرُ باختلافِ الحالِ التي كان عليها هو وأصحابُه، وكلُّ واحدٍ روى ما شهِدَ، وكل ذلك صحيحٌ.
ولهذا تعدَّدَ القولُ في ذلك عن الصحابةِ بتعدُّدِ الأفعال، وكلٌّ يميلُ إلى ما عَمِلَ أو ما نُقِلَ إليه ولا يُنكِرُ غيرَه، ومَن قال بصورةٍ لا يُبطِلُ القولَ بغيرِها، فلا ينبغي أن تُجعَلَ أقوالُهم متضادَّةً متعارِضةً؛ وإنَّما متنوِّعةٌ متشاكِلةٌ، وقد قال أحمدُ:"لا أعلَمُ في هذا البابِ إلَّا حديثًا صحيحًا"(١).
وكان أحمدُ وكذا الشافعيُّ يُخيِّرُ بين الصِّفاتِ الواردةِ بحسَبِ الحاجةِ إليها وتغيُّرِ الحال، ولا يُقدِّمُ صفةً على أخرى بكلِّ حالٍ.
وفرقٌ بينَ ما يتعدَّدُ مِن الرِّواياتِ مع تعدُّدِ الأفعالِ؛ كصَلاةِ الخوفِ، وبينَ ما يتعدَّدُ مِنَ الرِّواياتِ مع اتِّحادِ الفِعْلِ؛ كصلاةِ الكُسُوف، فالأوَّلُ: تُحمَلُ الرِّواياتُ على القَبُولِ إن صحَّ سنَدُها وقامَتِ القرينةُ على اختِلافِ الفِعْل، والناني: تُنكَرُ الرِّواياتُ المتعدِّدةُ ولو رَواها ثقاتٌ، ويُؤخَذُ بأصَحِّها وأقوَاها وما قامَتِ القرائنُ على ترجيحِها منها.
الأولُ: القربُ مِن العدوِّ والبعدُ عنه؛ فإذا كان العدوُّ قريبًا، احتاجَ المصلُّونَ لتخفيفِ الصلاةِ وتقليلِ عَدَدِها؛ للخشيةِ مِن ميلِهِ عليهم وأخذِهِ لهم على غِرَّةٍ؛ ولهذا جاءت صلاةُ الخوفِ ركعةً، وجاءتْ ركعتَيْن، وجاءَتْ جماعةً، وجاءتْ فُرادى عند التلاحُمِ وشِدَّةِ القُرْبِ.