للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

* قال تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾ [النور: ١٩].

حرَّم اللَّهُ إشاعةَ الفاحشةِ، وبيَّنَ عاقبةَ مشِيعِها في العاجلِ والآجلِ؛ وذلك أنَّ إشاعةَ الفاحشةِ بينَ الناسِ؛ بالحديثِ عنها، وبتحبيبِها إليهم، وتزيينِها لهم: أعظَمُ مِن فعلِ الرَّجُلِ الفاحشةَ في نفسِها مستتِرًا بها؛ وذلك لأنَّ الأشاعةَ تُفسِدُ جماعةً مِن الناسِ وتُوقِعُهم فيها، فيأخُذُ المُشِيعُ إِثْمَهم جميعًا، وفاعلُ الفاحشةِ يأخُدُ إثمَ نفسِه.

وإشاعةُ الفاحشةِ محرَّمٌ ولو كانتْ صحيحةً، كمَن يتحدَّثُ عن واقعةِ فُحْشٍ بينَ الناسِ وان لم يُسَمِّ أهلَها، فلا يَحِلُّ له ذلك ولو كان صادقًا، فالشريعةُ لم تَنْهَ عن إشاعةِ الفاحشةِ لكونِها كذبًا؛ بل نَهَتْ عنها؛ حتى لا يُرقِّقَ ذلك النفوسَ عن تعظيمِ الحرامِ وتبشيعِهِ؛ فإنَّ الحديثَ عن الفاحشةِ يُشوِّفُ إليها ويُهوِّنُها، وقد أخرَجَ ابنُ أبي حاتمٍ، عن عطاءٍ؛ قال: "مَن أشاعَ الفاحشةَ، فعليه النَّكَالُ، وإنْ كان صادقًا" (١).

إشاعةُ الفاحشةِ وسَبَبُ عَدَمِ جعلِ الشريعةِ لها حَدًّا:

وإشاعةُ الفاحشةِ تعظُمُ بمقدارِ إشاعتِها بينَ الناسِ، وعَدَدِ مُتلقِّيها، وحجمِ تأثيرِها فيهم؛ وهذا هو السببُ في أنَّ الشريعةَ لم تَجْعَلْ حدًّا لإشاعةِ الفاحشةِ؛ لأنَّها تختلِفُ، ولا تنضبِطُ؛ فبينَ يسيرِها وجليلِها كما بينَ المشرِقِ والمغرِبِ، بخلافِ بقيَّةِ الآثامِ التي وضَعَتِ الشريعةُ لها حَدًّا كالزِّنى والسَّرِقةِ والقتلِ وشربِ الخَمرِ وغيرِها، فأوصافُها محدودةٌ مضبوطةٌ، ولو وضَعَتِ الشريعةُ حَدًّا لإشاعةِ الفاحشةِ، لوُصِفَتِ الشريعةُ


(١) "تفسير ابن أبي حاتم" (٨/ ٢٥٥٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>