وتحريم الحلالِ كتحليلِ الحرامِ؛ فمَن فعَلَ ذلك تُشريعًا لنفسِهِ أو للناس، فذلك كُفر، وإنَّما لم يقعْ ذلك في الصحابةِ في هذه النازلةِ؛ لأنَّهم لم يَفعَلوا ذلك تشريعًا؛ وإنما فعَلُوهُ تزهدًا؛ للتفرغ لِما يرَونَة أعظَمَ تعبدًا لله، فهم امتنعوا عنه لله، وحرمُوهُ على أنفُسِهِم للهِ لا لغيرِه، فلم يُصِيبُوا الحق في ذلك.
ومَن يمتنع عن الحلالِ أو يمنعُ غيرَه مِن الحلالِ لمصلحةِ دنيويَّةِ؛ كالطيبِ في حِميَتِهِ للمريض، أو ظلمًا كمَن يَمنع غيرَهُ فضلَ الماءِ والكَلَأِ -: فليس هذا مِن تحريمِ الحلال، وتشريع ذلك.
ومِثل ذلك مَن يأذَنُ لغيرِهِ بالحرام؛ فيسقِي الخمرَ، ويضَعُ فراشًا وحصيرًا للقِمَار، فهذا إذن بفعل الحرام، لا تحليل له؛ لأنَّ الأفرادَ لا يُتصورُ منهم غيرُ الفعلِ وتسويغه، لا تشريعه، ما لم يحلُّوهُ بنصٍّ منهم أو قرينة.
وأمَّا الحُكامُ الذين يشرِّعونَ القوانين للناس، فيكتبونَ فيها تحليلَ الحرام، وتحريمَ الحلال، فذلك كفر لا يجوز الخلاف فيه، وقد تقدمَ الكلامُ في هذا في أوائلِ سورةِ النساءِ عندَ قولِ اللهِ تعالى: ﴿وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ﴾ [٢٢].
حكم تحريمِ الحلالِ وكفارتُه:
وقد ذكَرَ الله هذه الآيةَ قبلَ ذِكرِهِ لِكفارةِ الأيمانِ؛ إشارة إلى فعلِ الصحابة، وأنه يمين؛ حيثُ حرمُوا على أنفسِهِم اللحمَ والنكاحَ والنومَ على الفرش.