تقدمَ الكلام على أصلِ حِل الطعامِ والشرابِ واللباسِ وجميعِ الطيبات، في مواضعَ كثيرة مِن سورة البقرةِ وغيرِها.
قد ذكَرَ الله الطيباتِ ونَهَى عن تحريمها، ثم نَهَى عن الاعتداءِ على المحرمات، وفي ذلك: إشارةً إلى أن مَن ضيَّقَ على نفسِهِ الحلالَ، فإنه يدفَع نفسه إلى الحرام، وإنما جعَلَ اللهُ الحلالَ سَعة؛ ليكون كفاية وغنيةَ للإنسانِ عن الحرامِ، ولا يكاد يقع مسلِمٌ في حرامِ إلا بسبب تركهِ الحلالَ البديلَ له عنه، وتضييقه على نفسهِ فيه؛ سواء في مَطعَم أو مَنكح أو مَلبَسٍ؛ لأن النفسَ ترِيدُ إشباعَ نَهَمِها وشهوتِها وقد جعَلَ الله في الحلالِ لها كفايةَ، والعدوان في الآيةِ هو الوقوع في الحرامِ.
وقد نزلت هذه الآية في بعضِ أصحاب النبي ﷺ؛ كما جاء عن أنس أن نفَرًا مِن أصحابِ النبي ﷺ سألُوا أزواجَهُ عن عَمَلِهِ فِي السِّر؛ فَقَالَ بعضُهُمْ: لَا أتزَوجُ النسَاءَ، وَقَالَ بَعضهم: لَا آكُل اللحمَ، وَقَالَ بَعضهُم: لَا أنَامُ عَلَى فِرَاش، فَحَمِدَ اللهَ وَأثنى عَلَيه، فَقَالَ:(مَا بَال أقوَامٍ قَالوا كَذَا وَكَذَا؟ لَكِني أصلِّي وَأنامُ، وَأصُومُ وَأفطِرُ، وَأتزَوجُ النسَاء؛ فَمن رَغب عَن سُنتى، فَلَيسَ مِنِّي)؛ رواهُ الشيخانِ عن أنسٍ (١).