وقال بأن الأذانَ بالنسبةِ للجماعةِ فرضُ كفاية: جماعةٌ مِن الفقهاءِ؛ كأحمدَ وغيرِه، والجمهورُ على سنيَّتِه، وأما المنفرِدُ فهو سُنة له باتفاقِ الأئمَّةِ الأربعة، ولأحمدَ رواية بالوجوب، والأصح أنه سنة؛ لأن الأذانَ ذِكرَ شرَعَهُ اللهُ للإعلامِ بالصلاةِ؛ كما هو ظاهرُ الآيةِ: ﴿إِلَى الصَّلَاةِ﴾، وكما هو في دَلَالةِ ألفاظِه، وفي موضعِ رفعِهِ على سطحِ المسجد، فإذا انتفَتِ العِلةُ، فلا يقالُ بوجوبِه.
وأما في صلاةِ الجمُعة، فالأذان الثاني واجب على الكفاية، ويأتي الكلامُ على ذلك في سورة الجُمُعةِ إن شاء الله.
في هذه الآيةِ: بيان أنَّ الشريعةَ لا تتشوَّف إلى القِتالِ لِذَاتِهِ؛ وإنما ما تحقَّقَ به مصلحةٌ راجحةٌ؛ فاللهُ ذكَرَ عن يهودَ ﴿كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ﴾، فأظهَرَ مِنتَه بوَأدِ القتالِ؛ لأنَّ من عادةِ يهودَ شَغْلَ المسلِمينَ بالقتال، والتحريش بينَهم وبينَ خصومِهم لِيقتتلوا فيَنشغِلوا عنهم، وأن اليهودَ إنْ شعروا بقوة برَزوا للقتال، وإن شعرُوا بضَعْف حرَّشوا، ومِن حِكمةِ النبي ﷺ أنْ لم يكنْ يتشوف للقتالِ لِذَاتِه، ما لم تتحقَّق منه غايته، وهو عُلو كلمةِ الله، واحتمال الانتصارِ وغَلَبته.