للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثم ذكَرَ الله تعالى بعدَ ذلك الأطرافَ: ﴿وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ﴾، والبَنَانُ هو الطَّرَفُ، كما صحَّ عن ابنِ عبَّاسٍ وغيرِه (١).

وهذا دليلٌ على أنَّ جميعَ أطرافِهِمَّ متساوِيةُ الحُكْمِ؛ فإنْ لم يمكَّنِ المؤمنونَ مِن القتل، فلْيَضرِبُوا ما استطاعوا مِن أطرافِهم أيدِيهِم أوأرجُلِهم.

ما يجوزُ إصابتُهُ مِن الحَرْبيِّ عندَ المُواجَهةِ والأَسْرِ:

وهدا عندَ المُواجَهةِ والمُنازَلةِ والتبييت، وأمَّا عندَ أَسْرِهِ وتقييدِه، فالأمرُ في ذلك يختلِفُ، فإن اللهَ قد جعَل ضربَ المُحارِبِ على حالَيْنِ:

الأُولى: عندَ المُواجَهة والمُنازَلةِ والتبييتِ؛ فيُضرَبُ منه كلُّ شيءِ مِن مَقاتِلِهِ وغبرِها؛ كرأسِهِ ووجهِهِ وعينِةِ وأطرافِه، ولو برَمْيِه بشِهابٍ مِن نار يُحْرِقُه.

الثانيةُ: بعدَ أسرِهِ وأخذِهِ؛ فإنَّه لا يجوزُ ضربُ وجهِهِ ولا تعذيبُهُ، وإن جازَ قتلُهُ.

ويدُلُّ على التفريقِ بينَ الحالَيْنِ قولُهُ تعالى في سورةِ محمدٍ: ﴿فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ﴾ [محمد: ٤]، فجعَل اللهُ الضربَ عندَ التلاقِي، وشَدَّ الوَثَاقِ عندَ الأسْرِ.

وقد قال الأوزاعيُّ في قوله تعالى: ﴿وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ﴾؛ قال: "اضرِبْ مه الوجهَ والعَيْن وارْمِهِ بشهَابٍ مِن نارٍ، فإذا أخَذْتَهُ، حَرُمَ ذلك كله عليك" (٢).

وذلك لأنَّه تحوَّلَ مِن مُقاتِلِ إلى أسيرٍ، والضربُ عندَ اللِّقاءِ يُرادُ منه


(١) "تفسير الطبري" (١١/ ٧٣)، و"تفسير ابن أبي حاتم" (٥/ ١٦٦٨).
(٢) "تفسير ابن أبي حاتم" (٥/ ١٦٦٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>