والوِزْرُ لا يُهدَى، ولو أراد أحدٌ في الدُّنيا أنْ يتحمَّلَ وِزْرَ غيرِهِ في الآخِرة، لم يكن له ذلك ما لم يَكْنْ هو الذي عَمِلَ الوِزْرَ أو دَلَّ عليه؛ بخلافِ الثوابِ فيُهدَى بشروطِهِ ولو لم يَعْلَمِ المُهدَى إليه؛ وهذا مِن رحمةِ اللهِ وعَدْلِهِ.
ولا خلافَ عندَ السلفِ في أنَّ الصدقةَ الجاريةَ، والعِلْمَ الذي يُنتفَعُ به، ودعاءَ الوَلَدِ: ثلاثةٌ تَصِلُ إلى الميِّتِ بعدَ مَوْتِهِ؛ لظاهِرِ الحديثِ.
وقد دَلَّ الدليلُ على غيرِها مِن الأعمالِ التي يَصِحُّ إهداؤُها إلى الميِّت، على خلافٍ عندَ العُلَماءِ في بعضِ أحوالِها وصُوَرِها، ومنها الحجُّ والعمرةُ.
وذِكْرُ دعاءِ الولدِ لا يُخرِجُ دعاءَ غيرِهِ للميِّتِ بالإجماعٍ، فلو دعا غيرًا لولدِ لأحدٍ وتقبَّلَهُ اللهُ، نفَعَ صاحِبَهُ، فهو موقوفٌ على قَبُولِ اللهِ له، كما أنَّ دعاءَ الرجلِ لنفسِهِ موقوفٌ على قَبُولِ اللهِ له، وقد امتدَحَ اللهُ دعاءَ المؤمنينَ لِمَنْ سَبَقَهُمْ بقولِهِ: ﴿وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ﴾ [الحشر: ١٠].
وإنَّما ذكَرَ رسولُ اللهِ ﷺ الولدَ خاصَّةً؛ لأنَّه أولى الناسِ أنْ يَدْعوَ لأبيهِ وأَرْجَاهُم؛ فالميِّتُ يُنسى غالبًا إلَّا في ذُرِّيَّتِه، وفي ذلك إشارةٌ إلى استِصْلاحِ الأولادِ؛ رَغْبةً في دعائِهم.