وأمَّا مالكٌ، فقال بالتغريبِ؛ ولكنَّه ذهَبَ إلى تغريب الرجُلِ دونَ المرأةِ؛ لأنَّ تغريبَها يُضِرُّ بمَحْرَمِها، ويَلزَمُهُ لَحَاقُهُ بها، وهذا ضررٌ؛ فقد تغرَّبَ كما تغرَّبتْ.
ويقومُ الحبسُ اليومَ مقامَ التغريبِ؛ كالحبسِ في البيوتِ وعدمِ الخروجِ، وهو للنِّساءِ خاصَّةً أحسَنُ من حَبْسهِنَّ في دُورٍ يَختلِطُ بها النِّساءُ المحبوساتُ في مُوجاتٍ شتَّى؛ كسَرِقةٍ وقتلٍ وغيرِ ذلك.
شهودُ الجَلْدِ والرَّجْمِ:
قال تعالى: ﴿وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾، ويُرادُ مِن ذلك: تأديبُ النفوسِ المريضةِ التي تُرِيدُ الفاحشةَ أو تفعلُها؛ لِتخشَى مَغَبَّةَ فِعْلِها وعاقبتَهُ، وليكونَ ذلك الفعلُ مستبشَعًا في النفوسِ فيزدادَ بشاعةً فيها، ويَكسرَ سَوْرَةَ مَن تَستحسِنُهُ نفسُه.
وشهودُ الناسِ للحَدِّ مستحَبٌّ لا واجبٌ في قولِ عامَّةِ أهلِ العلمِ، مع اختلافِهم في حدِّ الطائفةِ، وصحَّ عن ابنِ عباسٍ وعِكْرِمةَ ومجاهدٍ: أنَّ الواحدَ طائفةٌ (١).
ولا ينبغي أن يكونَ هناك خلافٌ أنَّ الاستتارَ بالحدودِ كلِّها، وإخفاءَها عن الناسِ حتى لا يُظَنَّ أنَّ الحدودَ تُقامُ: لا يجوزُ؛ فإنَّ المقصودَ مِن إقامةِ الحدودِ هو الجزاءُ لِمَنِ اقترَفَها، وتأديبُ مَن يطمعُ فيها؛ كما قال اللَّهُ في السرقةِ: ﴿جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ﴾ [المائدة: ٣٨].
وحينَما يقولُ العلماءُ بعدمِ وجوبِ الإشهارِ، لا يُريدونَ مِن ذلك: تعطيلَه؛ وإنَّما لا يجبُ في كلِّ حدٍّ حتى لا يصحَّ إلَّا به، ولكنْ لا يجوزُ إخفاؤُهُ مطلَقًا؛ حتى لا يظُنَّ الناسُ تعطيلَ الحدودِ.