للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فإذا رضِيَ الناسُ أهلَ الشُّورى، فقطَعُوا على مبايعةِ إمامٍ مِن المسلِمينَ، وجَبَ الْتِزامُها عندَ أكثرِ العلماءِ، وحَكَى إمامُ الحَرَمَيْنِ الإجماعَ على ذلك (١).

الوجهُ الثاني لتحقُّقِ الوِلاية:

أنْ يَقْهَرَ إمامٌ مسلمٌ الناسَ على طاعتِهِ، فيتولَّى الأمرَ بالقوةِ، فيتمكَّنَ منهم، فإنَّه حينئذٍ يُسمَعُ له ويُطاعُ؛ دفعًا للشرِّ والخلافِ والفتنةِ وإراقةِ الدماءِ؛ وقد نصَّ عليه الشافعيُّ (٢).

ولايةُ المتغلِّب:

والإمامُ المتغلِّبُ: هو الذي يتغلَّبُ لحظِّ نفسِهِ، وحبًّا في المُلْكِ والأثَرَةِ، وليس الذي يتغلَّبُ لإقامةِ شرعٍ غيرِ شرعِ اللهِ، فيحكِّمُ ويشرِّعُ غيرَ شرعِهِ، مُحِلًّا ما حرَّمَ الله، ومحرِّمًا ما أحلَّ اللهُ؛ فهذا - وإنْ عَجَزَ الناسُ عن دفعِهِ، لقوَّتِهِ وعِظَمِ المفسدةِ في رفعِهِ - إلا أنَّ بيعتَهُ لا تنعقِدُ إمامًا للمسلِمينَ، لكنْ يُصْبَرُ عليه إلى حينِ التمكُّنِ والقدرةِ عليه، أو يُتربَّصُ به حتى يَهْلِكَ فيُستراحَ منه بغيرِهِ.

تعدُّد الولاة وبلدان الإسلام:

الأصلُ: وجوبُ جمعِ المسلمين على إمامٍ واحدٍ، وإذا تعذَّر ذلك، فإِنَّه يجوزُ نصبُ إمامَيْنِ وأكثرَ في الأرضِ، على كلِّ قُطْرٍ واحدٌ؛ وذلك أنَّ اللهَ يبعَثُ نبيَّيْنِ في زمنٍ واحدٍ؛ كلُّ نبيٍّ إلى أُمَّةٍ، والنبيُّ نبيٌّ وخليفةٌ حاكمٌ مُطاعٌ، ومع اتِّساعِ رُقْعةِ العالَمِ الإسلاميِّ وترامِي أطرافِ البلدانِ الإسلاميَّةِ قد يَشُقُّ أنْ يتولَّى واحدٌ على جميعِها فيدومَ؛ فإنَّ ضَعْفَ قدرةِ الإنسانِ وقِصَرَ بسطتِهِ يجعلُهُ يضعُفُ عن الإحاطةِ بطبائعِ البشرِ وجَمْعِهم


(١) من "غياث الأمم، والتياث الظلم".
(٢) "البيان في مذهب الإمام الشافعي" للعمراني (١٢/ ١٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>