للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رَسُولَ اللَّهِ عَلَى المِنْبَرِ وَالحَسَنُ بنُ عَلِيٍّ إِلَى جَنْبِهِ، وَهُوَ يُقبِلُ عَلَى النَّاسِ مَرَّةٌ وَعَلَيْهِ أُخْرَى، وَيَقُولُ: (إِنَّ ابنِي هَذَا سَيِّدٌ، وَلَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يُصْلِحَ بِهِ بَيْنَ فِئَتَيْنِ عَظِيمَتَيْنِ مِنَ المُسْلِمِينَ) (١).

الفَرْقُ بينَ البُغَاةِ والخَوَارجِ:

وهذه الآيةُ نزَلَتْ في البُغاةِ وليستْ في الخوارجِ، وفرقٌ ما بينَهما؛ فالخوارجُ إنَّما خرَجُوا عن جماعةِ المُسلِمينَ كلِّها، وأمَّا البُغاةُ، فبَغَوْا على طائفةٍ منهم، والخوارجُ كان بَغْيُهم في ضلالِ اعتمادِهم، فكفَّروا بغيرِ مكفِّرِ، واستحَلُّوا الدمَ الحرامَ لأجلِ ذلك، وأمَّا البُغاةُ، فقتالُهم ليس عن تكفيرِ المُسلِمينَ؛ وإنَّما لتأوُّلِهم حقًّا هم أَوْلى به مِن غيرِهم؛ كالقتالِ على الوِلَايةِ، والقتالِ على المالِ والثأرِ متأوِّلِينَ، ولشُبْهةٍ اعتقَدُوها وظَنُّوا أنَّهم الأحَقُّ، فبغَوْا على غيرِهم لأجلِ ذلك، ويجتمعُ البُغاةُ مع الخوارجِ في بَغْيِهم وظُلْمِهم الظاهرِ، ولكنَّهم يَختلِفونَ في الجهةِ والقصدِ الباطنِ.

والخوارجُ يُقاتِلونَ بتأويلٍ باطلٍ، والبُغاة يُقاتِلونَ بتأويلٍ مُحتمِلٍ.

وبعضُ الفقهاءِ لا يفرِّقُ بينَ البُغاةِ والخوارجِ إلَّا في الاسمِ.

وهذا فيه نظرٌ، وقد فرَّق الصحابةُ وأئمَّةُ السلفِ بينَ الخوارجِ وبينَ أهلِ الجَمَلِ وصِفِّينَ.

والخوارجُ شرٌّ مِن البُغاةِ؛ ولهذا جاء في السُّنَّةِ تغليبُ قتلِهم على استصلاحِهم؛ قال : (لَئِنْ أَنَا أَدْرَكْتُهُمْ، لَأَقْتُلَنَّهُمْ قَتْلَ عَادٍ) (٢)، وجاء في القرآنِ تغليبُ استصلاحِ البُغاةِ على قتالِهم، وتغليبُ قتالِ الخوارجِ لا يَعني تَرْكَ استصلاحِهم؛ فالصحابةُ استصلَحُوا الخوارجَ وناظَرُوهم،


(١) أخرجه البخاري (٢٧٠٤).
(٢) أخرجه البخاري (٣٣٤٤)، ومسلم (٤١٠٦)؛ من حديث أبي سعيدٍ الخُدريِّ.

<<  <  ج: ص:  >  >>