للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

* قال اللَّهُ تعالى: ﴿وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (٩) إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (١٠)[الحجرات: ٩ - ١٠].

هذه الآيةُ في قتالِ أهلِ البَغْي، وكلُّ قتالٍ بغيرِ حقٍّ بين المُسلِمينَ فهو مِن قتالِ البَغْي، وقد يكونُ البَغْيُ مِن جهةٍ واحدةٍ، وقد يكونُ مِن الجهتَيْنِ بتساوِيهِما بَالعُدْوانِ بعضِهما على بعضٍ.

واللَّهُ أمَرَ بالإصلاحِ بين المُقتتِلِينَ مِن المُسلِمينَ، وهذه الآيةُ نزَلَتْ في قتالٍ بين الأنصارِ؛ حيثُ اقتتَلَتِ الأَوْسُ والخَزْرَجُ؛ كما في "الصحيحَيْنِ"؛ مِن حديثِ أنس بنِ مالكٍ ؛ قال: قِيلَ لِلنَّبِيِّ : لَوْ أَتَيْتَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أُبَيٍّ، فَانْطَلَقَ إِلَيْهِ النَّبِيُّ ، وَرَكِبَ حِمَارًا، فَانْطَلَقَ المُسْلِمُونَ يَمْشُونَ مَعَهُ، وَهِيَ أَرْضٌ سَبِخَةٌ، فَلَمَّا أَتَاهُ النَّبِيُّ ، فَقَالَ: إِلَيْكَ عَنِّي، وَاللَّهِ لَقَدْ آذَانِي نَتْنُ حِمَارِكَ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ مِنْهُمْ: وَاللَّهِ لَحِمَارُ رَسُولِ اللَّهِ أَطْيَبُ رِيحًا مِنْكَ، فَغَضِبَ لِعبدِ اللَّهِ رَجُلٌ مِنْ قَوْمِهِ، فَشَتَمَهُ، فَغَضِبَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَصْحَابُهُ، فَكَانَ بَيْنَهُمَا ضَرْبٌ بِالْجَرِيدِ وَالأَيْدِي وَالنِّعَالِ، فَبَلَغَنَا أَنَّهَا أُنْزِلَتْ: ﴿وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا﴾ (١).

وفي هذه الآيةِ: دليلٌ على فضلِ الصُّلْحِ بينَ المُسلِمينَ، وأنَّ البغيَ والظُّلْمَ والقتلَ بغيرِ حقٍّ مع كونِهِ كبيرةً ومُوبِقًا، فإنَّه لا يُخرِجُ صاحِبَهُ مِن الإيمانِ، وفي البخاريِّ؛ مِن حديثِ أبي بَكْرَةَ؛ أنَّه قال: رَأيْتُ


(١) أخرجه البخاري (٢٦٩١)، ومسلم (١٧٩٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>