للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولا يجوزُ نقلُ الكلامِ عن اللَّهِ وعن نبيِّه والنَّفْسُ تشُكُّ في كذبِهِ وعدمِ صحَّتِه؛ ولذا يقولُ النبيُّ : (إِنَّ كَذِبًا عَلَيَّ ليْسَ كَكَذِبٍ عَلَى أَحَدٍ) (١)، ويُروى عنه ؛ أنَّه قال: (مَنْ حَدَّثَ عَنِّي بِحَدِيثٍ وَهُوَ يَرَى أَنَّهُ كَذِبٌ، فَهُوَ أَحَدُ الْكَاذِبَينِ) (٢)، فأخَذَ حُكْمَ الكذبِ، مع كونِه ناقلًا لا مفترِيًا.

إذا كان الكلامُ يتَّصلُ بغيرِ اللَّهِ ورسولِه، فأعظَمُهُ: أشَدُّهُ موضعًا؛ كالذي يتعلَّقُ بأعراضِ الناسِ كالقَذْفِ، وما يتعلَّقُ بأماناتِهم وأموالِهم، وما تُؤكَلُ به حقوقُهم.

وكلَّما كان الأثرُ عظيمًا، وجَبَ التثبُّتُ فيه، ولو لم يكنْ بالنقلِ عن شخصٍ بعينِه؛ كالكلامِ الذي يتعلَّقُ بخوفِ الناسِ وأمْنِهم؛ فقد جعَلَ اللَّهُ نَقْلَ مِثلِ هذا الكلامِ بلا تثبُّتٍ مِن صفاتِ المُنافِقينَ: ﴿وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ﴾ [النساء: ٨٣].

ونقلُ الكلامِ لا يُعفي ناقِلَه، ولو لم يكنْ قائلَه؛ فالناقلُ شريكٌ في حكايةِ الأقوالِ بلا تثبُّتٍ؛ كما قال : (كَفَى بِالمَرْءِ إِثْمًا أَنْ يُحَدِّثَ بِكُلِّ مَا سَمِعَ) (٣).

وبمقدارِ الجَهَالةِ على الناسِ في نقلِ الأقوالِ عنهم يكونُ عِظَمُ الإثمِ؛ قال تعالى: ﴿أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ﴾.

* * *


(١) أخرجه البخاري (١٢٩١)، ومسلم (٤)؛ من حديث المغيرة .
(٢) أخرجه أحمد (٤/ ٢٥٠)، والترمذي (٣٦٦٢)، وابن ماجه (٤١)؛ من حديث سمرة بن جندب .
(٣) أخرجه أبو داود (٤٩٩٢)، والنسائي في "السنن الكبرى" (١١٨٤٥)؛ من حديث أبي هريرة .

<<  <  ج: ص:  >  >>