للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مالَه كلَّه، وأنفَقَ عمرُ نِصْفَ مالِه، وقد حَكَى الإجماعَ الطبريُّ كما ذكَرَهُ عنه ابن المُلَقِّن، وحكاهُ ابن حزمٍ في "مراتبِ الإجماعِ"، وغيرُهما.

وإذا كانت ورثةُ الشخصِ أَغنياءَ, ومالُهم أكثَرَ مِن مالِه، فلا يجوزُ له الوصيَّةُ بأكثَرَ مِن الثُّلُثِ أيضًا، لعمومِ قولِ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - لسعدٍ؛ فهو يعلَمُ أنَّ الثُّلُثَيْنِ مِن مالِ سعدٍ يُغنيانِ ابنتَهُ بعدَ موتِه، ومع ذلك استكثَرَ الثُّلُثَ؛ فغِنَى الورثةِ لا يُجِيزُ الوصيَّةَ بأكثَرَ مِن الثُّلُث، ثمَّ إنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - لم يَسأَلْ عن ابنتِه: هل هي غنيَّةٌ بنفسِها ولها مالٌ بيدِها يَسُدُّ حاجَتَها مِن غيرِ مالِ والدِها؟ وفي القاعدةِ: أنَّ تركَ الاستِفصال، في حكاياتِ الأحوال، يُنَزَّلُ منزلةَ العمومِ في المَقال؛ وهذه قاعدةٌ صحيحةٌ نصَّ عليها الشافعيُّ وغيرُهُ، وتَشهَدُ لها الأدلَّةُ؛ فقد قال النبيُّ - عليه السلام - لغَيْلَانَ حين أسلَمَ على عَشْرِ نِسْوةٍ: (أَمْسِكْ مِنْهُنَّ أَرْبَعًا، وَفَارِقْ سَائِرَهُنَّ) (١)، ولم يَسأَلْهُ عن الأَقْدَمِ منهنَّ وعددِ ذريَّتِهنَّ؛ فدَلَّ على أنَّه لا أثَرَ لذلك في الحُكْمِ.

وصيَّةُ مَن لا وَرَثَةَ له بمالِهِ كلِّه:

ومَن كان له مالٌ ولا ورثَةَ له، فقد اختُلِفَ في وصيَّتِهِ بمالِهِ كلِّه على قولَين، وهما روايتانِ عن أحمدَ.

الأُولى: المنعُ؛ وبهذا القولِ قال مالكٌ والشافعيُّ وأهلُ المدينةِ والأوزاعيُّ.

الثانيةُ: الجوازُ؛ وبهذا القولِ قال أبو حنيفةَ وإسحاقُ.

وهذا القولُ مرويٌّ عن ابنِ مسعودٍ؛ وهو الأظهَرُ والأقرَبُ للصوابِ؛ لأنَّ النبيَّ منَعَ سعدًا مِن الوصيَّةِ بأكثَرَ مِن الثلُثِ، وعلَّلَ ذلك بالورثةِ وحاجتِهم، والحُكْمُ يدورُ مع عِلَّتِه.


(١) أخرجه مالك في "الموطأ" (عبد الباقي) (٧٦) (٢/ ٥٨٦)، وابن حبان في "صحيحه" (٤١٥٧) (٩/ ٤٦٥)، والحاكم في "المستدرك" (٢/ ١٩٣)، والبيهقي في "السنن الكبرى" (٧/ ١٨١).

<<  <  ج: ص:  >  >>