للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وبالنظرِ في هذه الاعتبارات مجتمِعةً: اعتبار اختلافِ الأحوالِ والأشخاصِ، والزمان والبُلْدانِ، يُقضي بها على النازلةِ، وقد يَقْوَى وجهٌ على وجهٍ، وقد تَقْوَى من جميعِ الوجوهِ، وقد تَخِفُّ مِن جميعِ الوجوه، والأمرُ في ذلك إلى نظرِ القاضي؛ ولذا جاء في الآيةِ على التخييرِ؛ لاختلافِ تلك الأحوالِ؛ فإنَّ ذِكرَ (أَو) في الأحكام للتخيير، وقد صحَّ عن ابنِ عبَّاسٍ ومجاهدٍ وعمرِو بن دِينارٍ وعطاءٍ وعِكْرِمةَ والنخَعيِّ: أنَّهم قالوا: "كلُّ شيءٍ في القرآن (أَوْ أَوْ) يختارُ منه صاحبُهُ ما شاء" (١).

ونصَّ على هذا أحمدُ.

التخييرُ في حدِّ الحرابة:

والتخييرُ بـ (أو) جاء في مواضعَ من القرآنِ؛ كما في قوله تعالى في جزاء الصيدِ وكفَّارةِ الفِدْيةِ وكفَّارةِ اليمينِ؛ قال تعالى: ﴿فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ أَو كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَو عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا﴾ [المائدة: ٩٥]، وقال في الفِدْيةِ: ﴿أَو بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَو صَدَقَةٍ أَو نُسُكٍ﴾ [البقرة: ١٩٦]، وقال في اليمين: ﴿فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَو كِسْوَتُهُمْ أَو تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ﴾ [المائدة: ٨٩].

وبالتخيير قال جمهورُ السلف، وقد صحَّ عن ابن عبَّاسٍ؛ قال: "من شَهَرَ السلاحَ في فِئةِ الإسلام، وأخافَ السبيلَ، ثم ظُفِرَ به وقُدِرَ عليه، فإمامُ المُسلِمينَ فيه بالخيارِ: إن شاء قتَلَه، وإن شاء صلَبَه، وإن شاء قطع يده ورجلَه" (٢).


(١) "تفسير الطبري" (٣/ ٣٩٦ - ٣٩٨)، و"تفسير ابن أبي حاتم" (٤/ ١١٩٤).
(٢) تفسير الطبري" (٨/ ٣٧٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>