العُدْوانِ عليهم بغيرِ حقٍّ، وكذلك أن تَفعَلُوا مِثلَهم، لأنَّ الحَرَمَ للهِ وهو بيتُهُ، فإنْ أخطَؤُوا في حقِّ اللهِ معكم، فلا تُخطِئُوا في حقِّ اللهِ معهم؛ فذلك عُدْوانٌ، وفي هذا أمرٌ منه للمؤمِنينَ أن يَعزِلُوا حَظَّ أنفُسِهم وحقَّهم عن حقِّ الله، فالمؤمِنُ باع نفسَهُ للهِ؛ فلا ينتصِرُ لها بمعصيةِ اللهِ.
وقد بيَّن اللهُ ما يجب على المؤمِنينَ مِن التعاونِ على البِرِّ وتسهيلِ سبيلِهِ وتيسيرِ أسبابِه للنَّاس، وعدمِ التعاونِ على الإثم وتسهيلِ سبيلِهِ وتيسيرِ أسبابِه، وأنَّ مُهِمَّتَهم العدلُ مع الخَلْقِ وإقامةُ حقِّ اللهِ وحُكْمِه.
ثمَّ قال: ﴿وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ﴾، فذكَرَ شدَّةَ عِقابِه، ولم يَذْكُرُ سعةَ رحمتِه؛ لأنَّ الأمرَ في سياقِ حقِّ اللهِ العامِّ، وهو فتحُ أبوابِ العِبَادةِ للعِبَاد، وعدم التعرضِ لها بقطعِها وإحداثِ أسبابِ المشقَّةِ بينَها وبينَهم، ومن أسباب تقديمِ الله لِشدَّةِ عقابِه وعذابِه فيما يتعلَّقُ بحقِّه؛ أن يتعلَّقَ بأمرِ الأمَّةِ عامَّةً، لا بأمرِ الإنسانِ في خاصَّتِه؛ وذلك أنَّ حقوقَ اللهِ على نَوعَيْنِ:
أنواعُ حقوقِ الله على عبادِهِ:
الأول: حقٌّ له لازمٌ خاصٌّ بأمرِ العبدِ في نفسِه، كشُرْبِ الخمرِ وتركِ الواجباتِ الخاصَّةِ؛ فهذا يقدِّمُ اللهُ به غالبًا ما يُشيرُ إلى رحمتِهِ وعفوهِ لمَنْ تاب، ما لم يكن كُفرًا؛ فإن اللهَ يتوعَّدُ عليه ولو كان خاصًّا في ذاتِ الإنسانِ.
الثاني: حقٌّ له متعدٍّ عامٌّ للنَّاس، كالأوامرِ العامَّةِ مِن التشريع، وتعظيمِ الشعائر، والبيتِ الحرام، والحُكمِ بينهم بما أنزَلَ اللهُ، وكذلك الحِرَابةُ وقطعُ الطريقِ؛ فاللهُ يقدِّمُ عندَ المخالفةِ له ذِكرَ عقابِه وعذابِه؛ لأنَّه مفسدةٌ عامَّةٌ، وهذه الآيةُ مِن هذا النَّوعِ.