وقولُهُ: ﴿وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ﴾ جعَلَ بعضُ المفسِّرينَ النَّهيَ عن الحَلْقِ معطوفًا على قولِهِ: ﴿فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ﴾، لا على قولِهِ تعالى: ﴿وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ﴾ فقَطْ؛ أيْ: لا تتحلَّلُوا ممَّا كان قد حَرُمَ عليكُمْ حتَّى يبلُغَ الهَدْيُ مَحِلَّهُ ممَّا كتبَهُ اللهُ أن يُذبَحَ فيه زمانًا ومكانًا.
وقتُ تحلُّلِ الحُجَّاجِ:
أمَّا الزمانُ: فيومُ النَّحْرِ وما بعدَهُ مِن أيَّامِ التشريقِ، وأمَّا المكانُ: ففي مِنًى أو غيرِها مِن الحَرَمِ لِمَنْ قدَرَ على بَعْثِهِ أن يَبْعَثَهُ، ومَن لم يَقدِرْ على بَعْثِهِ هُناك، فَينحَرُهُ في موضعِهِ، كما فعَلَهُ النبيُّ ﷺ حيثُ نَحَرَ هَدْيَهُ بالحديبيةِ؛ لأنَّه أُحصِرَ فيها، ولم يَنتظِرِ النبيُّ يومَ النَّحْرِ؛ لأنَّه لم يَبعَثْ بِهَدْيِهِ إلى مكَّةَ، فسقَطَ عنه انتظارُ الذبحِ يومَ النحرِ؛ وهذا قولُ ابنِ جريرٍ.
وذهَبَ بعضُ المفسِّرينَ إلى أنَّ قولَهُ: ﴿وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ﴾ معطوفٌ على قولِهِ: ﴿وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ﴾، وليس معطوفًا على قولِه: ﴿فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ﴾؛ وذلك أنَّ النبيَّ ﷺ نحَرَ هَدْيَهُ في مكانِه، فيجوز نَحْرُ الهَدْيِ في أيِّ موضعٍ للمُحصَرِ؛ وهو قولُ مالكٍ والشافعيِّ وغيرِهما.
مكان ذبحِ هدي المحصَرِ:
والذي يَظهَرُ: أنَّ المُحصَرَ الذي ساقَ الهَدْيَ وقدَرَ على بَعْثِهِ إلى مَكَّةَ؛ أنَّه يبعَثُهُ إلى مَن ينحَرُهُ هناك بمِنًى، وفِعْلُ النبيِّ يومَ الحديبيةِ كان لعجزِه عن الوصولِ إلى مِنًى، وقد كان يبعَثُ بِهَدْيِهِ إلى مَكَّةَ وهو غيرُ حرامٍ؛ ليُنحَرَ يومَ النحرِ بِمِنًى، والمُحصَرُ القادِرُ على بَعْثِ هَدْيِهِ مِن بابِ أَولى؛ قال بهذا عليُّ بنُ أبي طالبٍ، وابنُ عبَّاسٍ، ومجاهِدٌ، وابنُ سِيرِينَ، وقتادةُ، ومُقاتِلُ بنُ حَيَّانَ، وحمَّادٌ، وأبو حنيفةَ، وغيرُهم.