للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

القولُ بالإحصارِ بالمرَضِ؛ فقد روى مالكٌ، عَن سُلَيمانَ بنِ يَسَارٍ: "أنَّ ابنَ عُمْرَ ومَرْوانَ وابنَ الزُّبَيْرِ أفْتَوُا ابنَ حُزَابَةَ المَخْزوميَّ، وقد صُرِعَ ببعضِ طريقِ مَكَّةَ وهو مُحرِمٌ: أنْ يتداوى بما لا بدَّ له منه، ويَفتدِيَ، فإذا صَحَّ، اعتَمَرَ؛ فحَلَّ مِن إحرامِه، وكان عليه أن يحُجَّ عامَ قابلٍ، ويُهدِيَ" (١).

ولعلَّه أرادَ مَنْعَ قَبُولِ الإحصارِ مِن أيِّ مرَضٍ إلَّا المَرَضَ الذي يَحبِسُ الإنسانَ حبسًا يُشابِهُ حَبْسَ العدوِّ؛ فالعدوِّ يُخشى منه الهَلَكةُ، وأمَّا المَرَضُ الذي يستطِيعُ معه المُحرِمُ الوصولَ ولو محمولًا على دَابَّةٍ بلا كُلْفةٍ كبيرةٍ ولا خوفٍ على نَفْسِه، فلا يشابِهُهُ.

وهذا هو الأليقُ بجمعِ الأقوالِ التي ظاهِرُها التعارضُ في هذه المسألةِ عن الصحابةِ.

وفي هذا دفعٌ للتساهُلِ الذي يَعرِضُ للناسِ بِقطعِ النُّسُكِ عندَ كلِّ عارضٍ مِن العوارضِ الصِّحِّيَّةِ أو النفسيَّةِ أو الماليَّةِ.

والهَدْيُ هو ما ساقَهُ أو بعَثَهُ أو قصَدَ الإنسانُ ذَبْحَهُ بمَكَّةَ مِن بهيمةِ الأنعامِ؛ مِن الإبلِ - وهي أعظَمُها - ثمَّ البَقَرِ، ثمَّ الغنَمِ، وكانتِ العربُ تعظِّمُها حتَّى في الجاهليَّةِ، ومِن العرَبِ مَن يُقسِمُ بها مِن دُونِ اللهِ تعظيمًا لها.

قال قيسُ بنُ ذَرِيحٍ:

وَلَوْ تَعْلَمِينَ الغَيْبَ أَيْقَنْتِ أَنَّنِي ... لَكُمْ وَالهَدَايَا المُشْعَرَاتِ صَدِيقُ

وقال الآخَرُ:

حَلَفْتُ بِرَبِّ مَكَّةَ وَالهَدَايَا ... وَأَيْدِي السَّابحَاتِ غَدَاةَ جَمْعِ


(١) أخرجه مالك في "الموطأ" (عبد الباقي) (١/ ٣٦٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>