والمرادُ بالنكاحِ في قولِهِ في الموضعَيْنِ: ﴿وَلَا تَنْكِحُوا﴾، ﴿وَلَا تُنْكِحُوا﴾: العقدُ بين الرجلِ والمرأةِ، ويُستعمَلُ مجازًا بمعنى الوَطْءِ، وقال بعضُ الفقهاءِ: هو الوطءُ على الحقيقةِ، والأرجحُ الأوَّلُ.
حكمُ نكاحِ المشركاتِ:
والنهيُ عن نكاحِ المشرِكاتِ وإنكاحِ المشرِكينَ واقعٌ على العقدِ بلا خلافٍ؛ فلا يجوزُ العقدُ على مشرِكةٍ، ولا العقدُ لمُشرِكٍ على مسلِمةٍ، ولو اتَّفَقُوا على عدمِ المَسِيسِ، إلا بإسلامِهما.
والشركُ إذا أُطلِقَ في القرآنِ يرادُ به: مَنْ عبَدَ الأصنامَ والأوثانَ مِن العربِ، ويدخُلُ في ذلك غيرُهُمْ ممَّن شارَكَهُمْ؛ كالبُوذِيِّينَ وغيرِهم، ومِن بابِ أَولى المُلْحِدُ الذي يجحَدُ وجودَ اللهِ.
والكفار على نوعَيْنِ: مشرِكونَ، وأهلُ كتابٍ:
واختلَفَ المفسِّرونَ في هذه الآيةِ: هل نزَلَتْ عامةً وخُصِّصَتْ بآيةِ المائدةِ، أم نزَلَتْ خاصَّةً أولَ نزولِها، فكانت خاصَّةً بالمشركينَ عُبَّادِ الأوثانِ، كما هي عادةُ إطلاقِ الشركِ في القرآنِ في غالبِهِ عليهم، فتكون الآيةُ عامَّةَ اللفظِ خاصَّةَ القصدِ؛ فالآيةُ باقيةٌ لم تُنْسَخْ، وآيةُ المائدةِ جاءت بحكمٍ جديد، أم نزَلَتْ عامَّةً وهي باقيةٌ على عمومِها؟ هذه ثلاثةُ أقوالٍ:
القولُ الأوَّلُ: قولُ من قال بعمومِها، ثمَّ نُسِخَ العمومُ أو خُصِّصَ بآيةِ المائدةِ؛ قال تعالى: ﴿يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ﴾ [٤] , إلى ﴿وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ﴾ [٥].
وعلى هذا؛ فالآيةُ شامِلةٌ لكلِّ كافرةٍ، سواءٌ كانت عابِدةَ وَثَنٍ، أو كانت كتابيَّةً، يهوديَّةً أو نصرانيَّةً أو مجوسيَّةً، أو كانت مُلْحِدةً لا تُؤمِنُ بخالقٍ، أو مِن غيرِهم مِن أصنافِ الكَفَرَةِ والمشرِكينَ.