للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ}، وليس مِن جميعِهم، ولكنَّ البقيَّةَ ساكتةٌ خوفًا أو طمعًا؛ أيْ: يَخَافُون مِن سَطْوةِ أَحبارِهم ورُهْبانِهم فيأمُرونَ بقتلِهم، أو طمعًا فيما بينَ أيدِيهم مِن متاعِ الدُّنيا، ويَخْشَوْن زوالَهُ عنهم، ولكنَّ اللهَ جعَلَ الجميعَ ممَّن نقَضَ العهدَ؛ لأنَّهم سكَتُوا عن قولِ الحقِّ، ورأَوُا الباطلَ وسكَتُوا؛ فكانوا في صفِّ الراضِينَ وسَوَادِهم.

ومَن رأى الباطلَ وسكَتَ عليه، والناسُ في جدالٍ فيه يُريدونَ مَن يَهْدِيهم، وهو قادرٌ علي القولِ، فسكَتَ، فهو في حكم قائلِ الباطلِ؛ وهذا مِن خصال اليهودِ؛ قال تعالى: {وَمِنَ الَّذِينَ هَادُوا سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ} [المائدة: ٤١].

إذا نقَضَ طائفةٌ العهد، فحكمُ الساكتِ منهم كالناقضِ:

وفي هذه الآيةِ: دليلٌ على أنَّ المسلِمينَ إذا عاهَدُوا غيرَهُمْ مِن أهلِ الكتابِ أو المشرِكِينَ على شيءٍ، فنقَضَ عهدَهُمْ طائفةٌ مِن الكفارِ وليس كلَّهم: أنَّ عهدَ الجميعِ يُعتبَرُ منقوضًا؛ وذلك كالعهودِ التي يُبرِمُها المسلِمُونَ مع دولٍ أُخرَى أو مع جماعاتٍ، فقامَتْ جماعةٌ مِن تلك الدولِ أو مِن تلك الجماعاتِ بنقضِ العهدِ والميثاقِ، فإنَّ النقضَ يَرجِعُ إلى أصلِ العقدِ والعهدِ، وهذا ظاهرُ الآيةِ؛ فاللهُ أخَذَ الساكتَ مأخذَ الناقضِ.

ويخرُجُ مِن حكم الناقضينَ مَن انفصَلَ عن جماعتِهِ الناقضينَ للعهدِ، وانحازَ إلى فئةٍ ملتزِمةٍ؛ هربًا من الناقضينَ وبراءةً منهم، ولم يُعِينُوا الناقضينَ بالرأيِ والمالِ؛ فهذا له حُكْمُ مَن استسلَمَ للهِ، ودخَلَ الإسلامَ، وانحازَ إلى المسلِمينَ، وآمَنَ بنبوَّةِ محمَّدٍ - صلى الله عليه وسلم -؛ ففي "الصحيح" و"المسندِ"؛ مِن حديثِ نَافِعٍ، عن ابن عُمَرَ: "أَنَّ يَهُودَ بَنِي النَّضِيرِ وَقُرَيْظَةَ حَاربُوا رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَأَجْلَى رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بَنِي النَّضِيرِ، وَأَقَرَّ قُرَيْظَةَ

<<  <  ج: ص:  >  >>