وكلُّ ذِكرٍ لأهلِ الكتابِ فِي المدِينةِ، فالمقصودُ بهم اليهودُ؛ فليس في المدينةِ نصارى يومئذٍ؛ وإنَّما كانتْ بنو قُرَيْظَةَ وبنو النَّضِيرِ، وافترَقُوا؛ فتحالفَتْ بنو قريظةَ مع الأوسِ، وبنو النضيرِ مع الخزرجِ، وتعاهَدُوا بعضُهم مع بعضٍ.
وإنَّما يُبْطِلُ العهدَ والعقدَ بعضٌ مِن الفئتَيْنِ؛ وذلك لأمورٍ:
أولًا: لظاهرِ الآيةِ.
ثانيًا: لأنَّ هذا البابَ إذا لم يُغلَقْ، كان مَدْعاةً لِلَعْبِ المعاهَدِينَ بالخُدْعةِ، فيتسلَّلُ منهم فريقٌ ويقولون: هؤلاء نقَضُوا العهدَ، ولا يُمثِّلُونَ عهدَنا؛ فلا يدري المسلمونَ مِن أيِّ طريقٍ يأتِيهم الشرُّ، ولا يميِّزون الناقضَ مِن غيرِه، والأَولى في ذلك إبطالُ العهدِ كلِّه.
ثالثًا: أنَّ الفريقَ النابذَ للعهدِ كان مِن الجماعةِ المعاهَدِة وممَّن جرَى عليه العهدُ، ونقضُهُ لذلك إخلالٌ بجماعةِ المعاهَدِينَ الذين وقَعَ عليهم العهدُ والعقدُ، وهذا كحالِ مَن اشترَى مزرعةً بنخلِها وعنبِها من جماعةٍ يَملِكونَها، فخرَجَ أحدُهم عنِ الالتزامِ بعهدِهم وعقدِهم، ولم يُوافِقْهم على عقدِهم؛ فهذا يُبْطِلُ العقدَ؛ لأنَّه يَملِكُ الحقَّ، ويملِكُ مَنْعَ تصرُّفِ المشتري وكَفَّ يدِهِ عن تمام التصرُّفِ في ملكِه.
ووليُّ أمرِ الفئةِ الكافرةِ قائمٌ على شأنِ رَعِيَّتِه، فهو كالوكيلِ عنهم؛
(١) أخرجه أحمد (٦٣٦٧) (٢/ ١٤٩)، ومسلم (١٧٦٦) (٣/ ١٣٧٨).