للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فذكَرْتُ ذلك لمجاهدٍ، فقال: إلَّا مَن نَدِمَ" (١).

ورُوِيَ عنِ ابنِ عبَّاسٍ: أنَّه لا توبةَ له، مِن وجوهٍ متعدِّدةٍ، وقال بقولِه قِلَّةٌ.

أنواعُ الذنوبِ:

والذنبُ الذي يقَعُ مِنَ الإنسانِ على نوعَيْنِ:

الأوَّلُ: حقٌّ للهِ خاصٌّ، كفِعْلِ بعضِ المحرَّماتِ؛ مِن شُرْبِ الخمرِ والزِّنى، وتَرْكِ بعضِ الواجباتِ؛ كالصِّيامِ والحجِّ؛ وهذا النوعُ للهِ تعالى؛ إنْ شاءَ عاقَبَ فاعِلَهُ، وإنْ شاءَ غفَرَ له.

الثاني: حقٌّ خاصٌّ بالمخلوق، جعَلَهُ اللهُ إليه؛ إنْ عَفَا، سقَطَ عنِ الظالِمِ ظُلْمُه؛ وذلك كضَرْبِ الإنسانِ وشجِّهِ وأخذِ مالِه ونحوِ ذلك، فهذا للمخلوقِ؛ كما جاء في "الصحيحِ"؛ مِن حديثِ أبي هُرَيْرةَ؛ أنَّ رسولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قال: (مَنْ كَانَتْ عِنْدَهُ مَظلِمَةٌ لِأَخِيه، فَلْيَتَحَلَّلْهُ مِنْهَا، فَإِنَّهُ لَيْسَ ثَمَّ دِينَارٌ وَلَا دِرْهَمٌ، مِنْ قَبْلِ أَنْ يُؤْخَذَ لِأَخِيهِ مِنْ حَسَنَاتِه، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ حَسَنَاتٌ، أُخِذَ مِنْ سَيِّئَاتِ أَخِيه، فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ) (٢).

وحقُّ اللهِ في حقِّ الآدميِّين مبنيٌّ على المُسامَحة، واللهُ أكرَمُ مِن خَلْقِهِ في العفوِ والصفحِ! فإنْ عَفَا صاحِبُ الحقِّ، عَفَا اللهُ معَهُ لِمَن نَدِمَ، وأمَّا القتلُ، فهو حقٌّ للآدميِّ لا يمكِنُ أن يعفُوَ صاحبُهُ؛ لفَوْتِهِ بموتِه، فلا يَلتقي بالقاتلِ إلَّا في الآخِرة، وفي الآخرةِ لا يعفو الوالدُ عن ولدِه؛ ولا الخليلُ عن خليلِه.

ولعلَّ هذا مرادُ ابنِ عبَّاسٍ في عَدَمِ توبةِ القاتلِ وقَبُولِها.

وأمَّا الكَفَّارة بتحريرِ الرقبةِ والدِّيَة، فالتحريرُ حقٌّ لله، والديةُ حقٌّ لأهلِ القتيلِ لا للقتيلِ نفسِه؛ لأنَّه لا يَنتفِعُ منها.


(١) أخرجه البخاري (٣٨٥٥) (٥/ ٤٥)، والطبري في "التفسير" (٧/ ٣٤٢)؛ واللفظ له.
(٢) أخرجه البخاري (٦٥٣٤) (٨/ ١١١).

<<  <  ج: ص:  >  >>