للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عندَ العفوِ عنِ القَوَدِ، على قولَيْنِ؛ هما قولانِ لمالكٍ، وروايتانِ عن أحمدَ:

الأوَّلُ: في العمدِ وشِبْهِهِ الديةُ كالخطأِ؛ وهو قولُ الشافعيِّ.

الثاني: فيه الكفارةُ؛ وهو قولُ مالكٍ وأحمدَ المشهورُ عنهما وأبي حنيفةَ.

وعلَّلَ أحمدُ عدمَ الديةِ بعِظَمِ الذَّنْبِ وأنَّ الكفارةَ بعقِ الرقبةِ والدِّيَةِ لا يكونُ لذنبٍ معظَّمٍ؛ دونَ الشِّرْكِ مرتبةً، وفوقَ بقيةِ المُوبِقاتِ.

والقولُ بالديةِ يُوافِقُ النَّظرَ؛ لأنَّ الديةَ حقٌّ لأهلِ القتيل، لا حقٌّ للقتيل، وليستْ جَبْرًا للذنبِ؛ وإنَّما جبرٌ لبعضِ ما فقَدُوهُ بما لا يُضِرُّ بالقاتلِ وعاقلتِه، ولا يَهدُرُ حقَّهم في فقيدِهم، ولا يَلزَمُ مِنَ العفوِ عنِ القِصَاصِ سقوطُ الديةِ تبَعًا.

وهذه الآيةُ: ﴿وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ﴾:

اختُلِفَ في نَسْخِها وإحكامِها:

والجمهورُ: على إحكامِها؛ وهو قولُ ابنِ عمرَ وابنِ عبَّاسٍ وأبي هريرةَ وعُبيدِ بنِ عُميرٍ والحسَنِ وقتادةَ.

وقد روى البخاري ومسلم، عنِ ابنِ جُبيرٍ؛ قال: "آيَةٌ اختَلَفَ فِيهَا أَهْلُ الكُوفَة، فَرَحَلْتُ فِيهَا إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، فَسَأَلْتُهُ عَنْهَا، فَقَالَ: نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ: ﴿وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ﴾، هِيَ آخِرُ مَا نَزَلَ، وَمَا نَسَخَهَا شَيْءٌ" (١).

وروى سعيدٌ، عنِ ابنِ عبَّاسٍ؛ قال: "إنَّ الرجلَ إذا عرَفَ الإسلامَ وشرائعَ الإسلام، ثمَّ قتَلَ مؤمِنًا متعمِّدًا، فجزاؤُهُ جهنَّمُ، ولا توبةَ له،


(١) أخرجه البخاري (٤٥٩٠) (٦/ ٤٧)، ومسلم (٣٠٢٣) (٤/ ٢٣١٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>