للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهذه الآية نزَلَت بعدَ آيةِ تحريمِ الخمرِ السابقة، فرفَعَ الله بها الحَرَجَ الموجودَ في نفوسِ الصحابةِ - رضي الله عنهم -.

وكثيرًا ما تَنزِلُ الأحكامُ في القرآن، ثم يَرفَعُ اللهُ الحَرَجَ الذي يجدُهُ الناسُ مِن فَوَاتِ شيءٍ مِن الامتثالِ السابقِ قبلَ الحُكم، فلما أمَرَ الله بالقِبلةِ والاتِّجاهِ إلى الكعبة، وجَدَ الناسُ حَرَجًا في صلاتِهِمُ السابقةِ وصلاةِ مَنْ مات منهم إلى بيتِ المَقدِس، فأنزَلَ الله: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ} [البقرة: ١٤٣]، ومِثلُهُ: لمَّا حرَّمَ اللهُ في أولِ المائدةِ المحرَّماتِ وعَدَّها في أكثرِ موضعِ لعَدَدِ المحرَّماتِ المأكولةِ في القرآن، سأَلَ الصحابةُ عن الحلالِ وظَنُّوهُ ضيِّقًا، فأنزلَ اللهُ! {يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ} [المائدة: ٤]، ثم عَدَّ الطبِّباتِ عليهم؛ حتى لا يَستكثِرُوا الخبائثَ المحرَّمةَ، فيَغلِبَهم الشيطانُ عليها.

المؤاخَدَة على الحلالِ:

وظاهرُ آيةِ البابِ: أن اللهَ لا يُؤاحِذُ المؤمِنينَ فيما استمتَعُوا به مِن الشرابِ والمَطعَمِ الحلالِ ما أقامُوا الواجباتِ وأدَّوُا الفرائضَ التي عليهم، وإنَّما لم يُؤاخِذْهُمُ اللهُ؛ لأنَّه أنزَلَ الطِّيباتِ لهم ليَستمتِعوا بها وَينتفِعوا منها، ولم يَستثنِ منها إلَّا عَينًا أو وصفًا حرَّمَهُ الله، وهو قليلٌ نادرٌ؛ ولذا أطلَقَ إباحةَ الأكلِ؛ كما في قولِهِ تعالى: {كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ} [البقرة: ١٧٢]، وقولِهِ: {فَكُلُوا مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ} [البقرة: ٥٨] وقولِهِ: {كُلُوا وَاشْرَبُوا مِنْ رِزْقِ اللَّهِ} [البقرة: ٦٠].

وإذا استمَتَع العبدُ بالطيِّباتِ مَأكَلًا ومَشرَبًا، ولم يُؤَدِّ ما عليه مِن الواجباتِ وعملِ الصالحات، وتَركِ المحرَّمات، فالأصلُ أنه مُؤاخَدٌ ومُساءَلٌ ومحاسب على مُتعتِهِ تلك، وعِلَّةُ السؤالِ والمؤاخَذةِ: أنَّ تلك المتعةَ لم تُشكَر، فمِن شُكرِها عدمُ العُدوانِ على ما حرَّمَ الله معها؛ كما

<<  <  ج: ص:  >  >>