للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وما كان مِن العطورِ كحولًا يُشرَبُ في صورتِهِ التي يُباعُ عليها بلا حاجةِ لإضافةِ مادَّةٍ، وإنَّما يُسكِرُ بنفسِهِ عادةً: فيحرُمُ اقتناؤُه أصلًا ولو كان طاهِرًا في ذاتِه؛ لأنَّ اللهَ أمَرَ بالبُعْدِ عنه، فقال، ﴿فَاجْتَنِبُوهُ﴾، وأمَّا العطورُ التي تحتاجُ إلى تركيبِ وإضافةٍ مع غيرِها لتُسكِرَ، فليستْ خمرًا، ولا يحرُمُ اقتناؤُها للتعطُّرِ وغيرِ ذلك.

* * *

قال تعالى: ﴿لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا إِذَا مَا اتَّقَوْا وَآمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ثُمَّ اتَّقَوْا وَآمَنُوا ثُمَّ اتَّقَوْا وَأَحْسَنُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾ [المائدة: ٩٣].

نزَلَت هذه الآيةُ في أقوامٍ شَرِبُوا الخمرَ قبلَ نزولِ تحريمِه، وفي حُكمهم: الأقوامُ الذين شَرِبوا الحرامَ وطَعِمُوهُ ثم دخَلُوا الإسلامَ تائبينَ، فتساءَلُوا عمَّا شَرِبُوهُ وطَعِمُوهُ ونبَتَت أجسادُهُم منه، فأنزَلَ الله هذه الآيةَ؛ رفعًا للحَرَج، ودفعًا له عن نفوسِهم.

روى الشَّيخان؛ من حديثِ آنسٍ؛ قال: "كُنتُ سَاقِيَ القَومِ في مَنزِلِ أبِي طَلحَةَ، وَكَانَ خَمرُهُم يؤمَئِذٍ الفَضِيخَ، فَأمَرَ رَسُولُ اللهِ مُنادِيًا يُنادِي: (أَلا إنَّ الخَمْرَ قَدْ حُرِّمَت)، قَالَ: فَقَالَ لِي أبو طَلحَةَ: اخرُجْ، فَأَهْرِقْهَا، فَخَرَجتُ فَهَرَقتُهَا، فَجَرَت فِي سِكَكِ المَدِيَنَة، فَقَالَ بَعضُ القَومِ: قَد قُتِلَ قَومٌ وَهِيَ في بُطُونهِم؟ ! فأنزَل الله، ﴿لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا﴾ " (١).

ويدخلُ في حُكمِهم: كلُّ مؤمنٍ فيما يَطعَمُهُ وَيشرَبُهُ مِن الحلالِ مِن بابِ أولى؛ ولذا قال النبيُّ لابنِ مسعودٍ: (أنتَ مِنهُم) (٢).


(١) أخرجه البخاري (٢٤٦٤) (٣/ ١٣٢)، ومسلم (١٩٨٠) (٣/ ١٥٧٠).
(٢) أخرجه مسلم (٢٤٥٩) (٤/ ١٩١٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>